سيدى عبد القادر الجيلاني يتحدث عن اقامته فى صحراء بغداد 25 سنة



التصوف بكل لغات العالم : 
وكان الشيخ عبدالقادر رضي الله عنه يقول: أقمت في صحراء العراق وخرائبها خمساً وعشرين سنة، مجرداً سائحاً لا أعرف الخلق ولا يعرفوني يأتيني طوائف من رجال الغيب والجان أعلمهم الطريق إلى الله عز وجل. ورافقني الخضر عليه السلام في أول دخولي العراق وما كنت عرفته. وشرط ألا أخالفه وقال لي أقعد هنا، فجلست في الموضع الذي أقعدني فيه ثلاث سنين. يأتيني كل سنة مرة. ويقول لي مكانك حتى آتيك. قال ومكثت سنة في خرائب المدائن آخذ نفسي بطريق المجاهدات فآكل المنبوذ. ولا أشرب الماء ومكثت فيها سنة أشرب الماء ولا آكل المنبوذ، وسنة لا آكل ولا أشرب ولا أنام ونمت مرة بايوان كسري في ليلة باردة فاحتلمت، فقمت وذهبت إلى الشط واغتسلت، تم نمت فاحتلمت فذهبت إلى الشط واغتسلت فوقع لي ذلك في تلك الليلة أربعين مرة وأنا أغتسل ثم صعدت إلى الايوان خوف النوم ودخلت في ألف فن حتى أستريح من دنياكم، وكان رضي الله عنه يرى الجلوس على بساط الملوك ومن داناهم من العقوبات المعجلة للفقير. وكان رضي الله عنه إذا جاء خليفة أو وزير يدخل الدار. ثم يخرج حتى لا يقوم له إعزازاً للطريق في أعين الفقراء. واجتمع عنده جماعة من الفقراء والفقهاء في مدرسة نظامية فتكلم عليهم في القضاء والقدر. فبينما هو يتكلم إذ سقطت عليه حية من السقف، ففر منها كان من كان حاضراً عنده ولم يبق إلا هو، فدخلت الحية تحت ثيابه، ومرت على جسده، وخرجت من طوقه، والتوت على عنقه، وهو مع ذلك لا يقطع كلامه، ولا غير جلسته، ثم نزلت على الارض وقامت على ذنبها بين يديه، فصوتت ثم كلمها بكلام ما فهمه أحد من الحاضرين. ثم ذهبت فرجع الناس وسألوه عما قالت.
فقال قلت لي: لقد اختبرت كثيراً من الأولياء فلم أر مثل ثباتك فقلت لها وهل أنت إلا دويدة يحركك القضاء والقدر الذي أتكلم فيه قال الشيخ عبدالقادر رضي الله عنه ثم أنها جائتني بعد ذلك وأنا أصلي ففتحت فمها موضع سجودي فلما أردت السجود دفعتها بيدي وسجدت فالتفت على عنقي ثم دخلت من كمي وخرجت من الكم الآخر ثم دخلت من طوقي ثم خرجت فلما كان الغد دخلت خربة فرأيت شخصاً عيناه مشقوقتان طولاً، فعلمت أنه جني فقال لي أنا الحية التي رأيتها البارحة، ولقد إختبرت كثيراً من الأولياء بما إختبرتك به فلم يثبت أحد منهم لي كثباتك. وكان منهم من اضطرب باطنة وثبت ظاهرة ومنهم من اضطرب ظاهراً وباطناً، ورأيتك لم تضطرب ظاهراً ولا باطناً. وسألني أن يتوب على يدي فتوبته. وكان رضي الله عنه يقول ما ولد لي قط مولوداً إلا أخذته على يدي. وقلت هذا ميت فأخرجه من قلبي أول ما يولد. قال ابن الأحضى رحمه الله تعالى، وكنا ندخل على الشيخ عبدالقادر رضي الله عنه في الشتاء وقوة برده، وعليه قميص واحد، وعلى رأسه طاقيه، والعرق يخرج من جسده، وحوله من يروحه بمروحة، كما يكون في شدة الحر. وكان رضي الله عنه يقول لأصحابه اتبعوا ولا تبتدعوا وأطيعوا، ولا تخالفوا، واصبروا ولا تجزعوا، واثبتوا ولا تتمزقوا، وانتظروا ولا تيأسوا، واجتمعوا على الذكر ولا تتفرقوا وتطهروا عن الذنوب ولا تتلطخوا، وعن باب مولاكم ولا تبرحوا. وكان رضي الله عنه يقول إذا ابتلي أحدكم ببلية فليحرك أولا نفسه فإن لم يخلص منها فليستعن بغيره من الأمراء وغيرهم، فإن لم يخلص فيرجع إلى ربه بالدعاء والتضرع والانطراح بين يديه، فإن لم يجبه فليصبر حتى ينقطع عنه جميع الأسباب والحركات، ويبقى روحاً فقط. لا يرى إلى فعل الحق جلا وعلا، فيصير موحداً ضرورة ويقطع بأن لا فاعل في الحقيقة إلا الله. فإذا شهد ذلك تولى أمره الله.
فعاش في نعمة ولذة فوق لذة ملوك الدنيا لا تشمئز نفسه قط من مقدور قدرة الله عليه. وكان رضي الله عنه يقول إذا مت عن الخلق قيل لك رحمك الله، وأماتك عن هواك. فإذا مت عن هواك، قيل لك رحمك الله وأماتك عن إرادتك ومناك. فإذا مت عن إرادتك ومناك قيل لك رحمك الله وأحياك. فحينئذ تحيا حياة طيبة لا موت بعدها وتغنى غنى لا فقر بعده، وتعطى عطاء لا منع بعده، وتعلم علما لا جهل بعده. وتأمن أمناً لا تخاف بعده. وتكون كبريتاً أحمر لا يكاد يرى.