احتجاب الحق بظهور الإنسان الكامل الخليفة



التصوف بكل لغات العالم : 
احتجاب الحق بظهور الإنسان الكامل الخليفة :
الإنسان الكامل الظاهر بالصورة الإلهية , لم يعطه هذا الكمال إلا ليكون بدلاً من الحق , ولهذا سماه خليفة , وما بعده من أمثاله خلفاء له , فالأول وحده هو خليفة الحق , وما ظهر عنه من أمثاله في عالم الأجسام فهم خلفاء هذا الخليفة , وبدل منه في كل أمر يصح أن يكون له , فالإنسان الكامل هو ظل الله في خلقه من خلقه , فعن ذلك هو خليفة , ولذلك فالخلفاء خلفاء عن مستخلف واحد .
فالإنسان الكامل له الشرف على جميع من في السماء والأرض , فإنه العين المقصودة للحق من الموجودات , لأنه الذي اتخذه الله مجلى , لأنه ما كمل إلا بصورة الحق , كما أن المرآة وإن كانت تامة الخلق , فلا تكمل إلا بتجلي صورة الناظر , فتلك مرتبتها , والمرتبة هي الغاية , ولما شاء سبحانه أن يعطي كماله حقه , ولم يزل كذلك , وخلق العالم للتسبيح بحمده سبحانه , لا لأمر آخر , والتسبيح لله , ولا يكون المسبح في حالة الشهود , لأنه فناء عن الشهود , والعالم لا يفتر عن التسبيح طرفة عين , لأن تسبيحه ذاتي كالنفس للمتنفس , فدل أن العالم لا يزال محجوباً , وطلبُهم بذلك التسبيح المشاهدة , فخلق سبحانه الإنسان الكامل على صورته , وعرف الملائكة بمرتبته , وأخبرهم بأنه الخليفة في العالم , وأن مسكنه الأرض , وجعلها له داراً لأنه منها خلقه , وشغل الملأ الأعلى به سماء وأرضاً , فسخر له ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه , أي من أجله , واحتجب الحق , إذ لا حكم للنائب بظهور من استخلفه , فاحتجب عن البصائر كما احتجب عن الأبصار , وعلم آدم الأسماء كلها وأمره بتعليم الملأ الأعلى , وأمر من في السموات والأرض بالنظر فيما يستحقه النائب , فسخر له جميع من في السموات والأرض , حتى المقول عليه الإنسان من حيث تماميته لا من حيث كماليته , فهذا النوع المشارك له في الاسم إذا لم يكمل هو من جملة المسخرين لمن كمل , وألحق في كماله بالغنى عن العالمين , وهو وحده أعني الإنسان الكامل يعبد ربه الغني عنه , فكماله أن لا يستغني عنه , وما ثَمَّ من يعبده على الشهود من غير تسبيح إلا الكامل , فإن التجلي له دائم , فحكم الشهود له لازم , فهو أكمل الموجودات معرفة بالله وأدومهم شهوداً , وله إلى الحق نظران , ولهذا جعل له عينين , فينظر بالعين الواحدة إليه من كونه غنياً عن العالمين , فلا يراه في شيء ولا في نفسه , وينظر إليه بالعين الأخرى من اسمه الرحمن , بكونه يطلب العالم , فيراه ساري الوجود في كل شيء , فيفتقر بهذه النظرة من هذه العين إلى كل شيء , من حيث ما هي الأشياء أسماء الحق , لا من حيث أعيانها , فلا أفقر من الإنسان الكامل إلى العالم , لأنه يشهده مسخراً له , فعلم أنه لولا ما هو عليه من الحاجة إلى ما سخروا فيه من أجله ما سخروا , فيعرف نفسه أنه أحوج إلى العالم من العالم إليه .