في طبقات الأولياء ومراتبهم وأصنافهم : الاقطاب ـ الائمة ـ الابدال ـ الأوتاد



التصوف بكل لغات العالم : 
في طبقات الأولياء ومراتبهم وأصنافهم
ذكر الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين بن العربي مراتب الأولياء وطبقاتهم على اختلاف أحوالهم في الباب الثالث والسبعين من الفتوحات المكية، وأطال في ذلك وقد رأيت الإمام المناوي في مقدمة طبقاته الصغرى اختصر ذلك من الفتوحات ولكنه لم يتقيد بعباراتها بل تصرف فيها، وترك فوائد كثيرة مهمة، فأردت أن أختصر ذلك هنا منها وأحافظ على عبارات سيدي محيي الدين وأنقل كثيراً من الفوائد التي تركها المناوي رحمه الله.
قال رضي الله عنه أن رجال الله في هذه الطريقة هم المسمون بعالم الأنفاس. وهو اسم يعم جميعهم، وهم على طبقات كثيرة، وأحوال مختلفة، ومنهم من تجمع له الحالات كلها والطبقات، ومنهم من يحصل له من ذلك ما شاء الله، وما من طبقة إلا لها لقب خاص من أهل الأحوال والمقامات، ومنهم من يحصره عدد من كل زمان، ومنهم من لا عدد له لازم فيقلون ويكثرون. ولنذكر منهم أهل الأعداد ومن لا عدد له بألقابهم إن شاء الله تعالى.
القسم الأول
في ذكر أصحاب مراتب الولاية الذي يحصرهم عدد
(فمنهم رضي الله عنه: الأقطاب)
وهم الجامعون للأحوال والمقامات بالأصالة أو بالنيابة، وقد يتوسعون في هذا الإطلاق فيسمون قطبا كل من دار عليه مقام ما من المقامات وانفرد به في زمانه على أبناء جنسه. وقد يسمى رجل البلد قطب ذلك البلد، وشيخ الجماعة قطب تلك الجماعة، ولكنَّ الأقطاب المصطلح على أن يكون لهم هذا الاسم مطلقاً من غير إضافة لا يكون منهم في الزمان إلا واحد وهو الغوث أيضاً هو من المقربين وهو سيد الجماعة في زمانه، ومنهم من يكون ظاهرَ الحكم ويحوز الخلافة الظاهرة كما حاز الخلافة الباطنة من جهة المقام، كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن ومعاوية بن يزيد وعمر بن عبدالعزيز والمتوكل، منهم من حاز الخلافة الباطنة خاصة ولا حكم له في الظاهر كأحمد بن هارون الرشيد الستي وكأبي يزيد البسطامي، وأكثر الأقطاب لا حكم لهم في الظاهر.
(ومنهم رضي الله عنهم: الأئمة)
لا يزيدون في كل زمان على اثنين لا ثالث لهم. الواحد عبدالرب، والآخر عبدالملك، والقطب عبدالله ولو كانت أسماؤهم ما كانت، وهما اللذان يخلفان القطب إذا مات، وهما له بمنزلة الوزيرين، الواحد منهم مقصور على مشاهدة عالم الملكوت والآخر على عالم الملك.
(ومنهم رضي الله عنهم: الأوتاد)
وهم الأربعة ف كل زمان لا زيدون ولا ينقصون. رأينا شخصاً منهم بمدينة فاس يقال له ابن جعدون كان ينخل الحناء بالأجرة. الواحد منهم يحفظ الله به المشرق وولايته فيه، والآخر المغرب، والآخر الجنوب والآخر الشمال والتقسيم من الكعبة، وقد يكون منهم النساء، وكذلك غيرهم، وألقابهم عبدالحي، وعبدالعليم، وعبدالقادر، وعبدالمريد.
(ومنهم رضي الله عنهم: الأبدال)
وهم سبعة، لا يزدون ولا ينقصون، يحفظ الله بهم الأقاليم السبعة، لكل بدل منهم اقليم فيه ولاية، الواحد منهم على قدم الخليل وله الاقليم الأول، والثاني على قدم الكليم، والثالث على قدم هارون، والرابع على قدم ادريس، والخامس على قدم يوسف، والسادس على قدم عيسى، والسابع على قدم آدم على الكل الصلاة والسلام. وسموا أبدالاً لكونهم إذا فارقوا موضعاً ويريدون أن يخلفوا به بدلاً منهم في ذلك الموضع لأمر يرون فيه مصلحة وقربة يتركون به شخصاً على صورتهم، لا يشك أحداً ممن أدرك رؤية ذلك الشخص أنه عين ذلك الرجل، وليس هو بل هو خص روحاني يتركه بدله بالقصد على علم منه، فكل من له هذه القوة فهو البدل، ومن يقيم الله عنه بدلا في موضع ما ولا علم له بذلك فليس من الأبدال المذكورين. وقد يتفق ذلك كثيراً عايناه ورأيناه، ورأينا هؤلاء السبعة الأبدال بمكة، لقيناهم خلف حطيم الحنابلة، وهنالك اجتمعنا بهم فما رأيت أحداً أحسن سمتاً منهم، وكنا قد رأينا منهم موسى البيدراني بأشبيلية سنة 586. وصل إلينا بالقصد واجتمع بنا، ورأينا منهم شيخ الجبال محمد بن أشرف الرندية ولقي منهم صاحبنا عبدالمجيد بن سلمة شخصاً اسمه معاذ بن أشرص كان من كبارهم، وبلغني سلامه علينا، سأله عبدالمجيد هذا عن الأبدال بماذا كانت لهم هذه المنزلة؟ فقال الأربعة التي ذكرها أبوطالب المكي، يعني: الجوع والسهر والصمت والعزلة.