علامة الإنسان الكامل من نفسه



التصوف بكل لغات العالم : 
علامة الإنسان الكامل من نفسه :
اعلم أنك لا تعلم أنك على الصورة , ما لم تعلم قوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن مرآة أخيه ) ؛ فيرى المؤمن نفسه في مرآة أخيه , ويرى الآخر نفسه فيه , وليس ذلك إلا في حضرة الاسم الإلهي المؤمن , قال تعالى : (( إنما المؤمنون إخوة )) وقال صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن كثير بأخيه ) كما أنه واحد بنفسه , فيعلم أن الأسماء الإلهية كلها كالمؤمنين إخوة (( فأصلحوا بين أخويكم )) يعني إذا تنافروا , كالمعز المذل , والضار النافع , وأما ماعدا الأسماء المتقابلة فهم إخوان على سرر متقابلين , وليس يصلح بين الأسماء إلا الاسم الرب , فإنه المصلح , والمؤمن من حيث ما هو مرآة , فمن رأى نفسه هكذا , علم أنه خليفة من الخلفاء بما رآه من الصورة , والإنسان الحيوان لا مرآة له , وإن كان له شكل المرآة , لكنها ما فيها جلاء ولا صقالة , قد طلع عليها الصدأ والران .
وما جعل الحق تعالى لواحد مما سوى الله أمراً في العالم ولا نهياً , ولا خلافةً ولا تكويناً عاماً , وجعل ذلك للإنسان الكامل , فمن أراد أن يعرف كماله , فلينظر في نفسه , في أمره ونهيه , وتكوينه بلا واسطة لسان ولا جارحة ولا مخلوق غيره , فإن صح له المعنى في ذلك , فهو على بينة من ربه في كماله , فإنه عنده شاهد منه أي من نفسه , فإن أمر أو نهى أو شرع في التكوين بوساطة جارحةٍ من جوارحه , فلم يقع شيء من ذلك , أو وقع في شيء دون شيء ولم يعم , مع عموم ذلك بترك الواسطة , فقد كمل , ولا يقدح في كماله ما لم يقع في الوجود عن أمره بالواسطة , فإن الصورة الإلهية بهذا ظهرت في الوجود , فإنه تعالى أمر عباده عل ألسنة رسله عليهم السلام وفي كتبه , فمنهم من أطاع ومنهم من عصى , وبارتفاع الوسائط لا سبيل إلا الطاعة خاصة , لا يصح ولا تمكن إباية , فيشترك الإنسان الحيوان مع الكامل في الأدوات الصناعية , التي بها يتوصل إلى مصنوع ما مما يفعل بالأيدي , ويزيد الكامل عليه بالفعل بالهمة , فأدواته همته , وهي له بمنزلة الإرادة الإلهية إذا توجهت على إيجاد شيء , فمن المحال أن لا يكون ذلك الشيء المراد , ومن هنا قال من قال : إن الخيال هو الحقيقة المعبر عنه الإنسان الكامل , فإنه أثبت إلحاق الخيال في قوة الإيجاد بالحق ماعدا نفسه , فإنه ما ثَمَّ على الصورة الحقية مثله , فإنه يوجد في نفسه كل معلوم ماعدا نفسه , والحق نسبة الموجودات إليه مثل هذه النسبة .
ومع هذا التمكن والتحقق , فإذا أقامك الحق في العبودة المطلقة , التي ما فيها ربوبية , فأنت خليفة له حقاً , فإنه لا حكم للمستخلف فيما ولى فيه خليفة عنه جملة واحدة , فاستخلفه في العبودة , فلا حظَّ للربوبية فيها , لأن الخليفة استقل بها استقلالاً ذاتياً فهو بيد الله في ملك الله .