طبقات الأولياء : الزهاد ـ رجال الماء ـ الافراد



التصوف بكل لغات العالم : 
5- (ومنهم رضي الله عنهم: الزهاد)
وهم الذين تركوا الدنيا عن قدرة واختلف أصحابنا فيمن ليس عنده ولا بيده من الدنيا شيء وهو قادر على طلبها وجمعها، غير أنه لم يفعل وترك الطلب فهل يلحق بالزهاد أم لا، فمن قائل من أصحابنا أنه يلحق بالزهاد، ومن قائل لازهد إلا في حاصل، فإنه ربما لو حصل له شيء منها ما زهد، فمن رؤسائهم إبراهيم بن أدهم وحديثه مشهور، وقال سيدي محيي الدين رضي الله عنه، وكان بعض أخوالي منهم، كان قد ملك مدينة تلمسان ويقال له يحيى بن يفان، وكان في زمنه رجل فقيه عابد منقطع من أهل تونس يقال له عبدالله التونسي عابد وقته كان بموضع خارج تلمسان يقال له العباد وكان قد انقطع بمسجد يعبد الله فيه وقبره مشهور بها يزار بينما هذا الصالح يمشي بمدينة تلمسان إذ لقيه خالنا يحيى بن يفان ملك المدينة في خولة وحشمة فقيل له هذا أبوعبدالله التونسي عابد وقته فمسك لجام فرسه وسلم على الشيخ فرد عليه السلام وكان على الملك ثياب فاخرة فقال له: ياشيخ هذه الثياب التي أنا لابسها تجوز لي الصلاة فيها؟ فضحك الشيخ فقال له: يا شيخ هذه الثياب التي أنا لابسها تجوز لي الصلاة فيها؟ فضحك الشيخ فقال له الملك: مم تضحك؟ فقال: من سخف عقلك وجهلك بنفسك وحالك، مالك تشبيه عندي إلا بالكلب يتمرغ في دم الجيفة وأكلها وقذارته. فإذا جاء يبول يرفع رجله حتى لايصيبه البول. وأنت وعاء مليء حراماً وتسأل عن الثياب ومظالم العباد في عنقك. قال: فبكى الملك ونزل عن دابته، وخرج من مكة من حينه ولزم خدمة الشيخ، فسلكه الشيخ ثلاثة أيام، ثم جاءه بحبل فقال له: أيها الملك قد فرغت أيام الضيافة- قم فاحتطب، فكان يأتي بالحطب على رأسه ويدخل به السوق والناس ينظرون إليه ويبكون فيبيع ويأخذ قوته ويتصدق بالباقي، ولم يزل في بلده كذلك حتى درج ودفن خارج تربة الشيخ.
وقبره اليوم بها يزار، فكان الشيخ إذا جاءه الناس يطلبون أن يدعو لهم يقول لهم التمسوا الدعاء من يحيى ابن يفان، فإنه ملك وزهد، ولو ابتليت بما ابتلي به من الملك، ربما لم أزهد.
6- (ومنهم رضي الله عنهم: رجال الماء)
وهم قوم يعبدون الله في قعور البحار والأنهار لا يعلم بهم كل أحد. أخبرني أبوالبدر التماسكي البغدادي، وكان صدوقاً ثقة عارفاً بما ينقل حافظاً ضابطاً لما ينقل، عن الشيخ أبي السعود بن الشبل إمام وقته في الطريق قال: كنت بشاطئ دجلة بغداد فخطر في نفسي هل لله عباد يعبدونه في الماء؟ قال: فما استممت الخاطر إلا وإذا بالنهر قد انفلق عن رجل فسلم علي وقال: نعم يا أبا السعود لله رجال يعبدونه في الماء وأنا منهم. أنا رجل من تكريت وقد خرجت منها لأنه بعد كذا وكذا يوماً يقع كذا وكذا وذكر أمراً يحدث فيها ثم غاب في الماء فلما انقضت خمسة عشر يوماً وقع ذلك الأمر على صورة ما ذكره ذلك الرجل لأبي السعود وأعلمني بالأمر كما كان.
7- (ومنهم رضي الله عنهم: الأفراد)
ولا عدد يحصرهم وهم المقربون بلسان الشرع، كان منهم محمد الأواني رحمه الله يعرف بابن قائد أدانة من أعمال بغداد من أصحاب الإمام عبدالقادر الجيلي وكان هذا ابن قائد يقول فيه عبدالقادر رضي الله عنه معربد الحضرة كان يشهد له عبدالقادر الحاكم في هذه الطريقة المرجوع إلى قوله في الرجال أن محمد بن قائد الأواني من المفردين وهم رجال خارجون عن دائرة القطب والخضر منهم ونظيرهم من الملائكة الأرواح المهيمة في جلال الله تعالى وهم الكروبيون معتكفون في حضرة الحق سبحانه لا يعرفون سواه ولا يشهدون سوى ما عرفوا منه ليس لهم بذواتهم علم عند نفوسه مقامهم بين الصديقية والنبوة التشريعية وهو مقام جليل جهله أكثر الناس من أهل طريقنا.