أيها الولد: قد علمت من هاتين الحكايتين أنك لا تحتاج إلى تكثير العلم



التصوف بكل لغات العالم : 
أيها الولد: قد علمت من هاتين الحكايتين أنك لا تحتاج إلى تكثير العلم. والآن أبين لك ما يجب على سالك سبيل الحق:
إعلم أنه ينبغي للسالك شيخ مرشد مرب ليخرج الأخلاق السيئة منه بتربيته ويجعل مكانها خلقا حسنا ومعنى التربية يشبه فعل الفلاح الذي يقلع الشوك ويخرج النباتات الأجنبية من بين الزرع ليحسن نباته ويكمل ريعه. ولا بد للسالك من شيخ يؤدبه ويرشده إلى سبيل الله تعالى لأن الله أرسل للعباد رسولا للإرشاد إلى سبيله. فإذا ارتحل صلي الله عليه وسلم فقد خلف الخلفاء في مكانه حتى يرشدوا إلى الله تعالى.
وشرط الشيخ الذي يصلح أن يكون نائبا لسيدنا رسول الله (صلوات الله وسلامه عليه) أن يكون عالما ولكن لا كل عالم يصلح للخلافة. وإني أبين لك بعض علاماته على سبيل الإجمال حتى لا يدعي كل احد أنه مرشد. فنقول: من يعرض عن حب الدنيا وحب الجاه وكان قد تابع لشخص بصير تتسلسل متابعته إلى سيد المرسلين (صلي الله عليه وسلم) وكان محسنا رياضة نفسه بقلة الأكل والقول والنوم وكثرة الصلوات والصدقة والصوم وكان بمتابعته ذلك الشيخ البصير جاعلا محاسن الأخلاق له سيرة كالصبر والصلاة والشكر والتوكل واليقين والقناعة وطمأنينة النفس والحلم والتواضع والعلم والصدق والحياء والوفاء والوقار والسكون والتأني وأمثالها. فهو إذا نور من أنوار سيدنا النبي (صلي الله عليه وسلم) يصلح للإقتداء به ولكن وجود مثله نادر أعز من الكبريت الأحمر ومن ساعدته السعادة فوجد شيخا كما ذكرنا وقبله الشيخ ينبغي أن يحترمه ظاهرا وباطنا.
أما احترام الظاهر فهو ألا يجادله ولا يشتغل بالاحتجاج معه في كل مسألة وإن علم خطاه. ولا يلقي بين يديه سجادته إلا وقت أداء الصلاة فإذا فرغ يرفعها. ولا يكثر نوافل الصلاة بحضرته. ويعمل ما يأمره الشيخ من العمل بقدر وسعه وطاقته.
وأما احترام الباطن فهو أن كل ما يسمع ويقبل منه في الظاهر لا ينكره في الباطن لا فعلا ولا قولا لئلا يتسم بالنفاق. وإن لم يستطع يترك صحبته إلى أن يوافق باطنه ظاهره. ويحترز عن مجالسة صاحب السوء ليقصر ولاية شياطين الجن والإنس عن صحن قلبه فيصفي من لوث الشيطنة وعلى كل حال يختار الفقر على الغني.
ثم اعلم أن التصوف له خصلتان:
الاستقامة مع الله تعالى.
والسكون عن الخلق.
فمن استقام مع الله عز وجل وأحسن خلقه بالناس وعاملهم بالحلم فهو صوفي. والاستقامة أن يفدي حظ نفسه على أمر الله تعالى. وحسن الخلق مع الناس ألا تحمل الناس علي مراد نفسك بل تحمل نفسك علي مرادهم ما لم يخالفوا الشرع.
ثم إنك سألتني عن العبودية وهي ثلاثة أشياء:
محافظة أمر الشرع.
الرضاء بالقضاء والقدر وقسمة الله تعالى.
ترك رضاء نفسك في طلب رضاء الله تعالى.
وسألتني عن التوكل وهو أن يستحكم اعتقادك بالله تعالى فيما وعد يعني تعتقد أن ما قدر لك سيصل إليك لا محالة وإن اجتهد كل من في العالم على صرفه عنك وما لم يكتب لن يصل إليك وإن ساعدك جميع العالم.
وسألتني عن الإخلاص وهو أن تكون أعمالك كلها لله تعالى ولا يرتاح قلبك بمحامد الناس ولا تبالي بمذمتهم. واعلم أن الرياء يتولد من تعظيم الخلق. وعلاجه أن تراهم مسخرين تحت القدرة وتحسبهم كالجمادات في عدم قدرة إيصال الراحة والمشقة لتخلص من مراءاتهم. ومتى تحسبهم ذوي قدرة وإرادة لن يبعد عنك الرياء.