أيها الولد: إذا علمت هذا الحديث لا حاجة إلي العلم الكثير



التصوف بكل لغات العالم : 
حكي أن سيدنا الشبلي (رحمه الله) خدم أربعمائة استاذ وقال: قرأت أربعة آلاف حديث ثم اخترت منها حديثا واحدا وعملت به وخليت ما سواه لأني تأملته فوجدت خلاصي ونجاتي فيه وكان علم الأولين والآخرين كله مندرجا فيه فاكتفيت به وذلك أن سيدنا رسول الله (صلي الله عليه وسلم) قال لبعض أصحابه: "إعمل لدنياك بقدر مقامك فيها واعمل لأخرتك بقدر بقائك فيها واعمل لله بقدر حاجتك إليه واعمل للنار بقدر صبرك عليها".
أيها الولد: إذا علمت هذا الحديث لا حاجة إلي العلم الكثير. وتأمل في حكايات اخري وذلك أن سيدنا حاتم الأصم (رحمه الله) كان من أصحاب سيدنا الشقيق البلخي (رحمة الله) فسأله يوما: صاحبتني منذ ثلاثين سنة ما حصلت فيها؟ قال: حصلت على ثماني فوائد من العلم وهي تكفيني منه لأني أرجو خلاصي ونجاتي فيها. فقال شقيق: ما هي؟ قال حاتم الأصم:
الفائدة الأولى: أني نظرت إلي الخلق فرأيت لكل منهم محبوبا ومعشوقا يحبه ويعشقه وبعض ذلك المحبوب يصاحبه إلي مرض الموت وبعضه إلي شفير القبر ثم يرجع كله ويتركه فريدا وحيدا ولا يدخل معه في قبره منهم أحد فتفكرت وقلت: أفضل محبوب المرء ما يدخل في قبره ويوانسه فيه فما وجدت غير الأعمال الصالحة فأخذتها محبوبا لي لتكون سراجا لي في قبري وتوانسني فيه ولا تتركني فريدا.
الفائدة الثانية: أني رأيت الخلق يقتدون بأهوائهم ويبادرون إلي مرادات أنفسهم فتأملت قوله تعالي: "وأما من خاف مقام ربه ونهي النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوي" وتيقنت أن القرآن حق وصدق فبادرت إلي خلاف نفسي وتشمرت لمجاهدتها ومنعها عن هواها حتى ارتاضت لطاعة الله سبحانه وتعالي وانقادت.
الفائدة الثالثة: أني رأيت كل واحد من الناس يسعى في جمع حطام الدنيا ثم يمسكه قابضا يده عليه فتأملت في قوله تعالي: "ما عندكم ينفذ وما عند الله باق". فبذلت محصولي من الدنيا لوجه الله تعالي ففرقته بين المساكين ليكون ذخرا لي عند الله تعالي.
الفائدة الرابعة: أني رأيت بعض الخلق ظن شرفه وعزه في كثرة الأقوام والعشائر فاغتر بهم وزعم آخرون أنه في ثروة الأموال وكثرة الأولاد فافتخروا بها وحسب بعضهم الشرف والعز في غصب أموال الناس وظلمهم وسفك دمائهم واعتقدت طائفة أنه في إتلاف المال إسرافه وتبذيره وتأملت في قوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله اتقاكم". فاخترت التقوى واعتقدت أن القرآن حق صادق وظنهم وحسبانهم كلها باطل زائل.
الفائدة الخامسة: أني رأيت الناس يذم بعضهم بعضا ويغتاب بعضهم بعضا فوجدت ذلك من الحسد في المال والجاه والعلم فتأملت في قوله تعالي: "نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا". فعلمت أن القسمة كانت من الله تعالي في الأزل فما حسدت أحدا ورضيت بقسمة الله تعالي.
الفائدة السادسة: أني رأيت الناس يعادي بعضهم لغرض وسبب فتأملت قوله تعالي: "إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا". فعلمت أنه لا تجوز عداوة أحد غير الشيطان.
الفائدة السابعة: أني رأيت كل أحد يسعى بجد ويجتهد بمبالغة لطلب القوت والمعاش بحيث يقع به في شبهة وحرام ويذل نفسه وينقص قدره فتأملت في قوله تعالي: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها". فعلمت أن رزقي علي الله تعالي وقد ضمنه فاشتغلت بعبادته وقطعت طمعي عمن سواه.
الفائدة الثامنة: أني رأيت كل واحد معتمدا علي شئ مخلوق: بعضهم إلى الدينار والدرهم وبعضهم إلى المال والملك وبعضهم إلى الحرفة والصناعة وبعضهم إلى مخلوق مثله فتأملت في قوله تعالى: "ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا". فتوكلت على الله فهو حسبي ونعم الوكيل.
فقال سيدنا شقيق (رحمه الله): وفقك الله تعالى إني قد نظرت التوراة والزبور والإنجيل والفرقان فوجدت الكتب الأربعة تدور على هذه الفوائد الثمانية. فمن عمل بها كان عاملا بهذه الكتب الأربعة.