أصول الطريقة الشاذلية
التصوف بكل لغات العالم :
تشهد أقوال الإمام الشاذلي الكثيرة تأكيده المستمر على ضرورة الالتزام بمتابعة السنة فمن هذه الأقوال قول: «إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف وقل لنفسك أن لله تعالى قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها في في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة. وأنهم أجمعوا على أنه لا ينبغي العمل بالكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة»([60]).
وتكشف أقواله عن شدة تمسكه بالسنة حين يقول: «ارجع عن منازعة ربك تكن موحدا واعمل بأركان الشرع تكن سنيا واجمع بينهما تكن محققا»([61]). وحين يقول: «إذا لم يواظب الفقير على حضور الصلوات الخمس والجماعات فلا تعبأن به»([62]).
وأكثر من ذلك يقول الشاذلي: «إذا أردت أن يكون لك نصيب مما لأولياء
الله تعالى فعليك برفض الناس جملة واحدة إلا من يدلك على الله بإشارة صادقة وأعمال ثابتة لا ينقضها كتاب ولا سنة»([63]).
الحق أن الشاذلي كان عاملا بكتاب الله وسنة رسوله × ومن يتأمل أقواله وآراؤه يجده مثالا نادرًا للمتصوف العامل على ربط الشريعة بالحقيقة داعيًا أتباعه أنه لا حقيقة بلا شريعة وأن أساس الحقيقة الشريعة وأنه إذا عارض كشفك الشريعة فعليك بترك هذا الكشف الضال.
ولقد كان الدكتور صافي محقًا حين قال: «درست حياة الشاذلي والمرسي وغيرهما من المتصوفين المعتدلين كعبد الرازق بن حسام بن رزق الله وإبراهيم بن معضاد الجعبري فوجدت أنهم كانوا جميعًا على مذهب أهل السنة والجماعة من حيث الأصول والفروع، ومن هنا كان تصوفهم العلمي والنظري قائمًا على أساس من ظاهر السنة والكتاب»([64]).
تدل أقوال الشاذلي وأفعاله: «أنه يعتنق في التوحيد مذهب الأشاعرة، فالله عنده واجب الوجود، ومتصف بالقدم والبقاء، أزلي أبدي سميع بصير متكلم عليم... أما أحزابه([65]) فهي صريحة في الإقرار لله بالوحدانية والقدرة المطلقة وأنه هو وحده المتصرف في كل شيء، فحزب البر، وحزب البحر وغيرهما من الأذكار ناطقة بذلك معربة عنه في وضوح وجلاء»([66]). وبالطبع أنه لا يتصور من صوفي حق غير ذلك، والحق أن ما توصل إليه الدكتور صافي هو ما توصلت إليه بعد ذلك من معايشتي للشاذلي وفكره، ونلاحظ أن تلاميذ الشاذلي أخذوا بالمبادئ المثلى للتصوف. «فهو لم يكن يفهم التصوف كما كان يفهمه بعض معاصريه وبعض المتدروشين حتى اليوم على أنه بطالة تامة بحجة الزهد والتفرغ للعبادة، بل كان يفهمه على أنه
صفاء تام في النفس وتقوى خالصة لله وحب لله تعالى وتعلق به، وارتفاع بالروح وبالعمل وبالقول عن الدنيا». «وكان الشاذلي يكره من المتصوفة التظاهر بالفقر فهو نوع من الادعاء، ولكي يضرب لأتباعه المثل والقدوة كان يحيا هو حياة نظيفة منعمة»([67]).
وقد مر بنا كيف كان يكره الإمام الشاذلي المريد المتعطل ويدعو أتباعه للعمل والبحث عن الرزق الحلال.. وذلك هو في رأينا التصوف العملي الخلقي الحق الذي يتقيد بالشريعة الغراء وأحكامها الرشيدة. يقول الشاذلي عن الصوفي الصحيح: «للصوفي أربع صفات، التخلق بأخلاق الله، وحسن المجاورة لأوامر الله، وترك الانتصار للنفس حياء من الله، وملازمة البساط بصدق الفناء مع الله»([68]).