واعلم أن مقتضى الاحتياط أن تحب وتحترم المنسوب إليه من حيث قرابته منه



التصوف بكل لغات العالم : 
واعلم أن مقتضى الاحتياط أن تحب وتحترم المنسوب إليه من حيث قرابته منه، وإن طعن في نسبه كما قاله الشعراني وغيره. لاحتمال بطلان الطعن وصحة النسب، في الواقع، بل محبته واحترامه من حيث قرابته أبلغ في رعاية جانبه عليه الصلاة والسلام، من محبة واحترام من لا طعن في نسبه فافهمه. ومنها انتفاعهم بنسبهم له، وانتفاع من صاهرهم بمصاهرتهم يوم القيامة. إذ مصاهرتهم مصاهرة له وصح أنه قال على المنبر (ما بال أقوام يقولون إن رحم رسول الله لا تنفع يوم القيامة بلى إن رحمي موصولة في الدنيا والآخرة وإني أيها الناس فرط لكم على الحوض). وصح أن عمر بن الخطاب خطب لنفسه أم كلثوم بنت فاطمة من أبيها علي بن أبي طالب، فاعتل بصغرها، وبأنه حابسها لولد أخيه جعفر، فألح عليه عمر ثم صعد المنبر فقال: أيها الناس واللّه ما حملني على الإلحاح على علي في ابنته إلا أني سمعت النبي يقول: (كل سبب ونسب وصهر ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي وصهري) فأمر بها علي فزينت وبعث بها إليه فلما رآها قام وأجلسها في حجره فقبلها ودعا لها فلما قامت أخذ بساقها وقال لها قولي لأبيك قد رضيت فلما جاءت قال لها ما قال لك فذكرت له جميع ما فعله وما قاله، فأنكحها إياه فولدت له زيداً، مات رجلاً، قال ابن حجر: وتقبيلها وضمها على وجه الإكرام، لأنها لصغرها لم تبلغ حداً يشتهي حتى يحرم ذلك، ولولا صغرها ما بعث بها أبوها. لذلك قال ابن الصباغ وكان ذلك في سنة سبع عشرة من الهجرة، ودخل بها في ذي القعدة من السنة المذكورة وكان صداقها أربعين ألف درهم.
(تنبيه) لا ينافي ما في هذه الأحاديث من نفع الانتساب إليه ما في أحاديث أخرى من حثه لأهل بيته على خشية الله تعالى وطاعته، وأن القرب إليه يوم القيامة إنما هو بالتقوى، وأنه لا يغني عنهم من الله شيئاً كالحديث الصحيح أنه لما نزل قوله تعالى {وأنذر عشيرتك الأقربين}، دعا قريشاً فاجتمعوا، فعم وخص وطلب منهم أن ينقذوا أنفسهم من النار، إلى أن قال يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبدالمطلب، يا بني عبدالمطلب، لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها، أي سأصلها بصلتها.
وكالحديث الذي رواه أبو الشيخ، (يا بني هاشم ليأتين الناس يوم القيامة بالآخرة يحملونها على ظهورهم، وتأتون بالدنيا على ظهوركم، لا أغني عنكم من الله شيئاً). وكالحديث الذي رواه البخاري في الأدب المفرد (إن أوليائي يوم القيامة المتقون. وإن كان نسب أقرب من نسب لا يأتي الناس بالأعمال، وتأتون تحملونها على رقابكم فتقولون يا محمد فأقول هكذا وهكذا وأعرض في كلا عطفيه).
وكالحديث الذي أخرجه الشيخان عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله جهاراً غير سر يقول (إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي، إن وليي اللّه وصالحوا المؤمنين).
زاد البخاري (لكن لهم رحما سأبلها ببلالها). ووجه عدم المنافاة كما قاله المحب الطبري، أنه، لا يملك لأحد شيئاً لا نفعاً ولا ضراً، لكن اللّه عز وجل يُمَلِّكُهُ نفع أقاربه، بل وجميع أمته بالشفاعة العامة والخاصة، فهولا يملك إلا ما يملكه له مولاه كما أشار إليه بقوله غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها وكذا معنى قوله لا أغنى عنكم من الله شيئاً. أي بمجرد نفسي من غير ما يكرمني به الله، من نحو شفاعة، أو مغفرة، وخاطبهم بذلك رعاية لمقام التخويف والحث على العمل، والحرص على أن يكونوا أولى الناس حظاً في تقوى الله وخشيته، ثم أومأ إلى حق رَحِمهِ لإدخال نوع طمأنينية عليهم، وقيل هذا قبل علمه بنفع الانتساب إليه، وبأنه يشفع في إدخال قوم الجنة بغير حساب، ورفع درجات آخرين، وإخراج آخرين من النار، نعم يستفاد من قوله في الحديث السابق، أوليائي منكم المتقون. وقوله (إنما وليي الله وصالحوا المؤمنين)، أن نفعا رحمه وقرابته، وإن لم ينتف لكن ينتفي عنهم بسبب عصيانهم وولاية اللّه ورسوله لكفرانهم نعمة قرب النسب إليه، بارتكابهم ما يسوءه، عند عرض أعمالهم عليه. ومن ثم يعرض عمن يقول له منهم في القيامة يا محمد كما في الحديث المتقدم.
وقد قال الحسين بن الحسن السبط لبعض الغلاة فيهم (ويحكم أحبونا لله فإن أطعنا الله فأحبونا وإن عصينا الله فأبغضونا، ويحكم لو كان نافعاً بقرابة من رسول الله بغير عمل بطاعته لنفع بذلك من أهو أقرب إليه منا، والله إني أخاف أن يضاعف للعاصي منا العذاب ضعفين، وأرجو أن يؤت المحسن منا أجره مرتين. وكأنه أخذ ذلك من قوله تعالى {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين}. كذا في الصواعق. وفي طبقات المناوى حكاية هذا الكلام عن الحسن السبط نفسه، وزيادة أبيه وأمه بعد قوله من هو أقرب إليه منا، فلعل القول تعدد، واعلم أنه لا ينبغي لمنسوب إليه أن يتكل على ما ذكر لأنه إنما ثبت لمن هو في الواقع متصل به عليه الصلاة والسلام من آل بيته ومن أين تحقق ذلك لقيام احتمال زلل بعض النساء وكذب بعض الأصول في الانتساب وإن كانا خلاف الظاهر، على أن المأثور عن أكابر آل البيت شدة خشيتهم من الله تعالى، وعظم خوفهم من عذابه، وكثرة تأسفهم على أدنى تقصير وقع منهم رضي الله عنهم ونفعنا بهم. ومنها أن وجودهم أمان لأهل الأرض، أخرج جماعة منهم بسند ضعيف أنه قال: (النجوم أمان لأهل السماء وأهل البيت أمان لأمتي) وفي رواية ضعيفة (أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون). وفي أخرى لأحمد (إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض). وفي رواية صححها الحاكم على شرط الشيخين (النجوم أمان لأهل الأرض من الشرق، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف).
وقد يشير إلى هذا المعنى قوله تعالى {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}. أقام أهل بيته مقامه في الأمان لأنهم منه وهو منهم كما ورد في بعض الطرق. ومنها أنهم أول من يدخل الجنة. روى الثعلبي عن علي كرم الله وجهه قال (شكوت إلى رسول الله حسد الناس. فقال لي أما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا وأنت والحسن والحسين، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا، وذريتنا خلف أزواجنا). وروى الطبراني عن أبي رافع أنه قال لعلي:
(أنا أول أربعة يدخلون الجنة، أنا وأنت والحسن والحسين وأزواجنا خلف ذرياتنا، وشيعتنا عن إيماننا وشمائلنا).
قال موسى بن علي بن الحسين بن علي وكان فاضلاً عن أبيه عن جده، إنما شيعتنا من أطاع اللّه وعمل أعمالنا. وما يتراءى من التنافي بين هاتين الروايتين في مرتبتي الأزواج والذرية يمكن دفعه بحمل بعض كل منهما على كذا وبعضه الآخر على كذا والله أعلم.
وأخرج أحمد أنه قال (يا معشر بني هاشم والذي بعثني بالحق نبياً لو أخذت بحلقة الجنة ما بدأت إلا بكم). وروى الطبراني عن علي أنه قال (أول من يرد على الحوض أهل بيتي ومن أحبني من أمتي). لكن هذا ضعيف والذي صح (أول من يرد علي الحوض فقراءالمهاجرين).
وبفرض صحة الأول يحمل علي أن أولئك أول من يرد بعد هؤلاء كما قال ابن حجر. هذا وقد ورد في حق أبي بكر أنه أول من يدخل الجنة. وكذا في حق عمر. وقد يدفع التنافي بأن الأول على الحقيقة هو وأولية ما عداه نسبية. ومنها أن محبتهم تطول العمر وتبيض الوجه يوم القيامة. وبضد ذلك بغضهم كما في خبر أورده في الصواعق أنه قال) من أحب أن ينسأ (أي يؤخر أجله وأن يمتع بما حوله له فليخلفني في أهلي خلافة حسنة، فمن لم يخلفني فيهم بتر عمره، وورد عليَّ يوم القيامة مسوداً وجهه). ومنها أنهم أشرف الخلق نسبا. أخرج الإمام أحمد بسند جيد عن العباس: أنه صعد المنبر فقال: من أنا؟ قالوا أنت رسول اللّه، فقال أنا محمد بن عبداللّه، بن عبدالمطلب، إن اللّه خلق الخلق في خير خلقه، وجعلهم فرقتين فجعلني في خير فرقة، وخلق القبائل فجعلني في خير قبيلة، وجعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتا).
وأخر أحمد والمحاملي وغيرهما عن عائشة رضي اللّه عنها أنها قالت (قال رسول الله قال جبريل: قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد أفضل من محمد وقلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد بني أب أفضل من بني هاشم).
ومنها أن من صنع مع أحد منهم معروفاً كافأه النبي يوم القيامة روى الديلمي مرفوعاً (من أراد التوسل وأن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة، فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم).
ومنها أن أولاد فاطمة وذريتهم يسمون أبناءه، وينسبون إليه نسبة صحيحة. أخرج الطبراني مرفوعاً (إن اللّه عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه، وإن اللّه تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن أبي طالب) وأخرج الطبراني وغيره أنه قال (كل بني أم ينتمون إلى عصبة إلا ولد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم).
وفي رواية صحيحة (كل بني أنثى عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم).
وهذه الخصوصية لأولاد فاطمة فقط دون أولاد بقية بناته فلا يطلق عليه أنه أب لهم، وأنهم بنوه، كما يطلق ذلك في أولاد فاطمة نعم يطلق عليهم ذريته ونسله وعقبه.
وسيأتي لهذا المقام زيادة كلام عند ذكري زينب بنته. ومنها أنه منهم مهدي آخر الزمان أخرج مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وآخرون (المهدي من عترتي من ولد فاطمة). وأخرج أحمد وأبود داود والترمذي وابن ماجه (لو لم يبق من الدهر