تصحيح معتقدات خاطئه عن التصوّف الإسلامي



التصوف بكل لغات العالم : 

التعريف بالتصوّف الإسلامي
===================
فى الحديث الصحيح بلا خلاف بين المُسلمين أنّ أبا هريرة رضى الله عنه قد قال :
أنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم كان يومًا بارزًا للنّاس إذ أتاه رجل يمشى .

قال الرجل : يا رسول الله ما الإسلام ؟ 
قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : الإسلام أن تعبد الله و لا تشرك به شيئًا و تُقيم الصلاة و تؤتى الزكاة المفروضة و تصوم رمضان

فقال : يا رسول الله ما الإيمان ؟
قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : الإيمان أن تؤمن بالله و ملائكته و رسله و لقائه و تؤمن بالبعث الآخر

قال الرجل : يا رسول الله ما الإحسان؟
قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك 

فى ضوء هذا الحديث الشريف حدث بعد عهد صحابة رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أن بدء التابعون فى تقسيم و تصنيف العلوم الإسلامية بهدف تسهيلها و تبسيطها و التوسّع فى دراستها إلى أقسام فقسّموا الإسلام إلى ثلاثة مراتب أو ثلاثة أقسام :

1- علوم الإيمان و هى علوم التوحيد و الإيمانيات و اشتهر بها المُتكلّمون و علماء الإعتقاد .
2- علوم الإسلام و هى علوم الفقه و التشريع و اشتهر بها المُجتهدون و الفقهاء
3- علوم الإحسان و هى علوم الأخلاق و الروح و اشتهر بها السادة الصوفية و المُفكّرون .

فالتصوّف بكلمات بسيطة هو الفكر الروحانى و الأخلاقى من الإسلام للوصول بعبودية الله للإحسان الذى هو عبادة الله كأنّنا نراه و فى ذلك اشتهر العلماء من هذا المبحث بالزهد و لذلّك تمّ تسميتهم بالمتصوّفة مجازًا عن الزهد الذى هو التنازل عن المتاع من أجل الله و التقرّب لله رغم القدرة ..

الردّ على الإتهامات الكاذبة الموجّهة للتصوّف الإسلامى
=================================

1- التوسّل
-----------
التوسّل هذا قد فعله سادة الصحابة و أمرنا به الله و رسوله بل و ورد فى القرءان صراحةً و بأفعال الأنبياء و فى ذلك سننقل رسالةً قديمة تُثبت كون التوسّل حقيقةً بلا خلاف من العلماء سلفًا و خلفًا ما عدا فئة المنكرين التى تُحرّم بلا دليل على الإطلاق فمفهومهم دومًا ناقص فهم يتركون الصحاح و يلجأون لما هو دونه ..

لماذا يجب على كلّ مسلم يدخل فى الإسلام أن يقول : ( أشهد أنّ مُحمّد رسول الله ) ؟
الأمر هنا أصبح عبادة بل هو أساس العبادة أن تقول رسول الله .. و هذا هو التوسّل أو بمعنى أوضح القربة فأنت هنا اتخذت من رسول الله قربة و وسيلة إلى الله و ليس شركًا فالله لن يأمرك بالشرك .. !!

لماذا نقول فى التشهّد السلام عليك أيّها النبىّ و رحمة الله و بركاته .. ؟
التشهّد هنا عبادة و سلامنا على النبىّ قُربة و عبادة فهو القائل عليه الصلاة و السلام فى حديثٍ صحيحٍ أورده ابن حجر و النووى و أبو داوود و جمع غفير من العلماء حيث قال رسول الله : (( ما من أحد يسلّم على إلّا رد الله على روحى حتى أردّ عليه السلام )) .. !!

المنكرين يتساءلون ألم يقل الله : ( إذا سألك عبادى عنّى فإنى قريب ) .. فلماذا التوسّل .. ؟
هذا الآية هى عين التوسّل , فالله يقول : ( إذا سألك ) هنا نحن نسأل من .. ؟!! .. أليس الرسول .. ؟

المنكرين يقولون أليس الميّت غير الحي .. ؟
ثبت عنه فى صحيح البُخارى أنّه خاطب قُليب بدر بعد أن ماتوا فلمّا سأله عمر رضى الله عنه كيف ذلك .. ؟ 
ردّ عليه صلّى الله عليه و سلّم بأنّهم أسمع به منهم .. 
و هذا النصّ يُثبت أنّ الميت عمومًا يسمع لكن الميت الصالح فقط هو الذى يستجيب و يستمرّ عمله لأنّه حىّ عند الله و مثال ذلك الشهيد كما فى قوله تعالى : ( و لا تحسبنّ الذين قُتلوا فى سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربّهم يُرزقون ) و كذلك حديث حياة الأنبياء فى قبورهم و كذلك الحديث السابق الذى أثبت فيه رسول الله أنّ الله يُبلّغه السلام فيردّ الرسول على من سلّم عليه و هذا فى حدّ ذاته دعاء من الرسول فهو ليس ميّت بمفهوم النهاية و هذا ما يغفله االمنكرين مُنافيًا لتعاليم الإسلام تمامًا ..

المنكرين يتسألون لماذا تقولون : يا رسول الله و يا حسين و ما غيره .. أليس ذلك شُبهة عبادة لدون الله .. ؟
على النقيض تمامًا فنحن امنّا بولاية هؤلاء من قيمتهم عند الله فالجميع يؤمن بالله وحده و يعلم أنّ هؤلاء أولياءه أو كذلك قد يكونوا آل بيت رسول الله بالإضافة لكونهم أولياء الله الذين ذكرهم الله فى قرءانه و أثنى عليهم و الذين وصفهم رسول الله بورثة الأنبياء فالجميع يسأل هؤلاء لمكانتهم عند الله و ليس شركًا بالله و العياذ بالله و لقد وردت الأحاديث الصحاح فى ذلك كثيرة منها توسّل سيدنا عمر بن الخطّاب بعمّ النبىّ سيدنا العبّاس كما فى صحيح البخارى و منها كذلك الرجل الكفيف الذى علّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم التوسّل بأن يقول : ( يا مُحمّد إنّى أتوجه بك إلى ربّي فى حاجتي فتقضها لي ) و ما غير ذلك كثير من الصحاح و كذلك فى القرءان الكريم حين قال أبناء يعقوب لأبيهم : ( قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنّا كنّا خاطئين ) فكان ردّ نبى الله يعقوب ( قال سوف أستغفر لكم ربّى إنّه هو الغفور الرحيم ) فها هو التوسّل الصريح فى القرءان و السنّة ..

المنكرين يتسألون ما تفسيركم إذن للآيات التى تُحرّم التوجّه لغير الله .. ؟
هذه الآيات التى استدلّ بها المنكرين هي من ضمن ءايات موجّهة للكفّار و المُشركين و لا علاقة للتوسّل بها من قريب أو من بعيد فالمُشرك ( المُنافق ) يُصلّى و المؤمن يُصلّى لكن الفارق بين هذا و ذاك فى النيّة التى تُصلّى بها فأنت تُصلّى لمن .. ؟
فلا يصحّ أبدًا أن نخلط بين الآيات الموجّهة للكفّار و بين الآيات الموجّهة للمؤمنين لأنّ الفارق كبير فهؤلاء يتوسّلون لآلهتم و الله يأمرنا بالتوسّل له وحده فهو القائل سُبحانه فى القرءان الكريم : ( يا أيّها الذين ءامنوا اتقوا الله و ابتغوا إليه الوسيلة )

2- الغناء بالذكر و الإنشاد بالموسيقى
------------------------------------

بالنسبة للغناء بالذكر فهذا لا خلاف عليه لأنّه أصلًا من الغناء بالقرءان فإذا كان التغنّى بالقرءان مُستحبّ بقول الله و رسوله فبالتالى التغنّى بالذكر الذى هو أدنى من القرءان مقبولًا و مُستحبًا و فى ذلك قد قال تعالى : ( و رتّل القرءان ترتيلًا ) و فى صحيح البخارى عن عبد الله بن مغفل المزنى قال : ( رأيت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يوم الفتح على ناقة له يقرء سورة الفتح أو من سورة الفتح قال : " فرجّع فيها " قال ثمّ قرء معاوية يحكى قراءة ابن مغفل و قال : " لولا أن يجتمع الناس عليكم لرجّعت كما رجّع ابن مغفل يحكى النبى صلّى الله عليه و سلّم فقلت لمعاوية : " كيف كان ترجيعه .. ؟ " قال " آ آ آ ثلاث مرات ") و فى صحيح مسلم عن أبى هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال : ( ما أذن الله لشيئ ما أذن لنبى حسن الصوت يتغنّى بالقرءان يجهر به ) 
و كذلك فى صحيح البخارى عن أبى هريرة أنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال : ( ليس منّا من لم يتغن بالقرءان ) و كذلك ما رواه الترمذى 
و النسائى و ابن ماجه و أبو داوود عن أمّ هانئ بنت أبى طالب أنّها قالت : كنت أسمع صوت النبى صلّى الله عليه و سلّم و هو يقرء و أنا نائمة على فراشى يرجّع القرءان و قد روى النسائى و غيره عن قتادة قال : سألت أنسًا كيف كانت قراءة رسول الله صلّى الله عليه و سلّم .. ؟ " 
قال أنس : " كان يمدّ صوته مدًا " .. !!

أمّا بالنسبة للموسيقى و الإنشاد فهذا أمرًا معروفًا جوازه إستنادًا لما ورد ثابتًا فى الصحاح عن رسول الله صلّى الله عليه و سلّم من جواز الدفّ و المزمار و كذلك عن صحابته رضوان الله عليهم من إستعمال العود و غيره من الآلات و كذلك إجازة الفقهاء لذلك من جمهور أهل السنّة فقد أورد البخارى فى صحيحه عن عائشة ( أنّ أبا بكر دخل عليها و النبى صلّى الله عليه و سلّم عندها يوم فطر أو أضحى و عندها قينتان تغنّيان بما تقاذفت الأنصار يوم بعاث فقال أبو بكر : " مزمار الشيطان .. !! " مرتين .. فقال النبى صلّى الله عليه و سلّم : " دعهما يا أبا بكر إنّ لكل قوم عيدًا و إنّ عيدنا اليوم " )
و روى أحمد و الطبرانى و الهيثمى و الإشبيلى و الشوكانى و الإدفوى بسندٍ صحيح عن النبىّ ( أنّ امرأة جاءت إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلم فقال : " يا عائشة تعرفين هذه .. ؟!! 
" قالت " لا يا نبى الله " 
قال : " هذه قينة بنى فلان تحبين أن تغنيك .. !! " 
قالت :" نعم " 
فأعطتها طبقًا فغنّتها , فقال النبى صلّى الله عليه و سلّم : " قد نفخ الشيطان في منخريها " ) 
و روى البخارى و مسلم فى صحيحهما و ابن ماجه فى سننه و غيرهم عن عائشة رضى الله عنها قالت : ( دخل أبو بكر و عندي جاريتين من جوارى الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث قالت : " و ليستا بمغنيتين " 
فقال أبو بكر :" أمزامير الشيطان فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .. !! " و ذلك فى يوم عيد "
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أبا بكر إنّ لكلّ قوم عيدًا و هذا عيدنا " ) 
و روى البخارى فى صحيحه عن الربيع بن معوّذ عن عائشة قالت :
( " جاء النبى صلى الله عليه و سلّم فدخل حين بنى علىّ فجلس على فراشى كمجلسك منّى فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف و يندبن من قتل من ءابائى يوم بدر إذ قالت إحداهن :
" و فينا نبى يعلم ما فى غد " 
فقال : " دعى هذا و قولى بالذى كنت تقولين " )
و روى البخاري عن عائشة رضى الله عنها أنّها زفّت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال النبى صلّى الله عليه و سلّم : ( " يا عائشة ما كان معهم من لهو .. ؟!! .. فإنّ الأنصار يعجبهم اللهو " ) 
روى أحمد و الترمذى بسندٍ صحيح عن بريدة قال : ( خرج رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فى بعض مغازيه فلمّا انصرف جاءت جارية سوداء فقالت : " يا رسول الله إنّى نذرت إن ردّك الله سالمًا أن أضرب بين يديك بالدف و أتغنّى " فقال لها رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : " إن كنت نذرت فاضربى و إلّا فلا " فجعلت تضرب فدخل أبو بكر و هى تضرب ثمّ دخل علىّ و هى تضرب ثمّ دخل عثمان و هى تضرب ثمّ دخل عمر فألقت الدف تحت أستها ثمّ قعدت عليه 
فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم :
" إنّ الشيطان ليخاف منك يا عمر إنّى كنت جالسًا و هى تضرب فدخل أبو بكر و هى تضرب ثمّ دخل على و هى تضرب ثمّ دخل عثمان و هى تضرب فلمّا دخلت أنت يا عمر ألقت الدف )
و أخرج النسائى و غيره عن النبىّ صلّى الله عليه و سلّم أنّه قال :
( فصل ما بين الحلال و الحرام الدف و الصوت فى النكاح ) 
و قد ثبت عن الصحابة السماع للعود و غيره و فى ذلك أدلّة صحيحة و كثيرة أشهرها لعبد الله بن جعفر و عبد الله بن الزبير و ابن عمر و معاوية و عمرو بن العاص و غيرهم كثير .. !!

3- الحضرات الصوفية و الذكر الصوفى
----------------------------------------
هى مجالس لذكر الله كما أمرنا الله فى كتابه حيث قال جلّ فى علاه ( يا أيّها الذين ءامنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا و سبّحوه بكرةً و أصيلًا ) و قوله تعالى ( و اذكروا اللَّه كثيرًا لعلّكم تفلحون ) و قوله صلّى الله عليه و سلّم فى صحيح مُسلم : ( من صلّى علىّ واحدة صلّى الله عليه عشرًا ) فى هذا ءايات و أحاديث كثيرة جدًا لا تنتهى و لا تُحصى من كثرتها و فى هذا إثبات لكون الحضرة و الذكر من أصل الإسلام ..

و بالنسبة لمن ينتقد الصوفية على كونهم يرددون نفس الإسم أو الصفة مثل قول : (( الله حىّ او الله )) و ما شابه ذلك فالدليل من جواز ذلك هو يوم العيد من ذكر يفعله جميع المُسلمين قاطبة بلا خلاف و كذلك الدليل على صحّة ذلك هو فعل رسول الله صلّى الله عليه و سلّم كما أورده النسائى و الحاكم و البيهقى و الهيثمى و غيرهم بسندٍ صحيح عن على بن أبى طالب أنّه قال :
( لمّا كان يوم بدر قاتلت شيئًا من قتال ثمّ جئت مسرعًا لأنظر إلى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ما فعل فجئت فأجده و هو ساجد يقول : 
" يا حى يا قيوم " لا يزيد عليها فرجعت إلى القتال ثمّ جئت و هو ساجد يقول ذلك ثمّ ذهبت إلى القتال ثمّ جئت و هو ساجد يقول ذلك فلم يزل يقول ذلك حتى فتح الله عليه ) 
و فى صحيح مُسلم قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم :
( لا تقوم الساعة حتّى لا يُقال فى الأرض " الله الله " )
و كذلك ثبت عن الصحابى الجليل بلال بن رباح رضى الله عنه أنّه كان يقول : ( أحد أحد ) 

4- الرقص الصوفى
-------------------
الرقص الصوفى ليس كالمتفاهم عليه عند العامه بالرقص المحرم الساقط ولكن هو تمايل طبيعى ليس بتكسير و لا بإسفاف فهو حركة طبيعية تلقائية أو حتّى مُصطنعة مثلها مثل ما يفعله الحفّاظ و المقرءون للقرءان الكريم فى المساجد و فى غيرها إذ تراهم يهتزّون و يتراقصون أثناء القراءة و الترتيل دون أن يُنكر عليهم أحد فالرقص الصوفى أو الإهتزاز عمومًا لا شيئ فيه من التحريم و قد ثبت ذلك عن السلف و الخلف الصالح و دليل ذلك ما رواه مُسلم فى صحيحه و ابن ماجة و غيره بسندٍ صحيح و اللفظ لإبن ماجة عن ابن عمر أنّه قال :
(سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و هو على المنبر يقول :
" يأخذ الجبار سماواته و أرضيه بيده و قبض يده فجعل يقبضها و يبسطها ثمّ يقول أنا الجبار أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون .. !! " 
قال : " و يتمايل رسول الله صلّى الله عليه و سلّم عن يمينه و عن شماله حتّى نظرت إلى المنبر يتحرّك من أسفل شيئ منه حتّى إنّى لأقول أساقط هو برسول الله صلّى الله عليه و سلم " ) 
و كذلك ما أورده ابن خزيمة فى صحيحه و البيهقى و أحمد و البزّار و غيرهم عن عون بن جحيفة عن أبيه أنّه قال :
( رأيت بلالًا يؤذّن و قد جعل إصبعه فى أذنيه و هو يلتوى فى ءاذانه يمينًا و شمالًا ) 
و روى البخارى فى صحيحه عن ابن عبّاس وثب أبى بكر الصدّيق رضى الله عنه حيث قال عبد الله ابن عبّاس أنّ : ( رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال و هو فى قبّة يوم بدر : " اللهمّ إنّى أنشدك عهدك و وعدك اللهمّ إن تشأ لا تعبد بعد اليوم " فأخذ أبو بكر بيده فقال : " حسبك يا رسول الله ألححت على ربّك " 
و هو يثب فى الدرع فخرج و هو يقول : " سيهزم الجمع و يولّون الدبر " ) 
و قد أورد ابن حجر و المنذرى و الحاكم و ابن حبّان و يحيى بن معين و السيوطى و غيرهم بسندٍ حسن أو صحيح بدفع تُهمة أبى يُعلى بالإدراج للحديث عن أبى سعيد الخدرى قول رسول الله : ( أكثروا ذكر الله حتّى يقولوا مجنون ) 
و قد أورد الإمام مسلم فى صحيحه عن عائشة رضى الله عنها أنّها قالت :
( جاء حبش يزفنون فى يوم عيد فى المسجد فدعانى النبى صلّى الله عليه و سلّم فوضعت رأسى على منكبه فجعلت أنظر إلى لعبهم حتّى كنت أنا التى أنصرف عن النظر إليهم ) 
و كذلك أورد الترمذى و أحمد بسندٍ صحيح و اللفظ لأحمد عن أنس رضى الله عنه قال : ( كانت الحبشة يزفنون بين يدى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و يرقصون يقولون : " محمد عبد صالح " 
فقال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم :
" ما يقولون .. ؟!! " 
قالوا : " يقولون محمد عبد صالح " ) 
و خير من ذلك كلّه قوله تعالى : (الذين يذكرون الله قيامًا و قعودًا و على جنوبهم ) ..

و قد أباح مذهب السادة الشافعية الرقص بدون تكسّر الذى هو الخفض و الرفع و التمايل الطبيعى و الوجد دون فعل المُخنّثين من تكسّر و ما شابه إستنادًا لما ثبت فى الصحيح عن الصحابة الأحباش و مثل ذلك الإمام البيهقى الشافعى كما فى السنن حيث عنون باب ( من رخّص فى الرقص إذا لم يكن فيه تكسر ) إحتجاجًا بحجل جعفر بن أبى طالب و كذلك ابن حجر الهيتمى فى كتابه الفتاوى الحديثية بعد أن سُئل عن رقص الصوفية أثناء الذكر فى صفحة (212) حيث أجاب : ( نعم له أصل فقد رُوى فى الحديث أنّ جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه رقص بين يدى النبى صلّى الله عليه و سلّم لمّا قال له : " أشبهت خَلقى وخُلقى " و ذلك من لذّة الخطاب و لم ينكر عليه صلّى الله عليه و سلّم ) 
و تبع فى ذلك الإمام ابن حجر العسقلانى فى فتح البارى (7/507) و كذلك أباح الحنفية الذين اشترطوا عدم المُبالغة فيه حيث أباح ابن عابدين فى حاشيته ذلك و قد رفض الحافظ العينى شهادة الرقّاص بصيغة المُبالغة فى كتابه البناية و قد قبل الإمام أحمد بن حنبل الرقص فيما نقله الإمام أبو سعيد النيسابورى فى كتاب الحدائق صفحة (165) عن الإمام أحمد أنّه قيل له :
( " إنّ هؤلاء الصوفية جلسوا فى المساجد على التوكل بغير علم " 
فقال الإمام أحمد : " العلم أقعدهم فى المساجد " 
فقيل له : " إنّ همّتهم كبيرة " 
قال أحمد : " لا أعلم قومًا على وجه الأرض أحسن من قوم همّتُهم كبيرة " 
فقيل له : " إنّهم يقومون و يرقصون " 
فقال أحمد : " دعهم يفرحوا مع الله ساعة " ) 
هذا و قد ارتبط الرقص عند العلماء بالوجد الذى أجازه الكثيرون من هذا الوجه منهم الشيخ أبى حامد الغزالى رحمه الله و قد قال بذلك الإمام السيوطى فى كتاب الحاوى للفتاوى (2 / 222-223) حيث أثبت الإجازة فى ذلك للعديد من العلماء من كبار المالكية و الحنفية بالإضافة للشافعية الذين أجازوا بالطبع و أثبت أنّ سلطان العلماء العزّ بن عبد السلام قد حدث عنده الرقص و السماع فى مجالسه و كذلك الشيخ محمّد متولى الشعراوى رحمة الله عليه فيما ورد من ضمن مجموعة الفتاوى التى أصدرتها مجلّة التصوّف الإسلامى عام 1998 حيث سُئل الشيخ الشعراوى ( ما رأى الإمام فى التمايل فى أثناء الذكر و هل هو من الدين .. ؟!! .. فأجاب رحمه الله : " إذا لم تجد فيه نصًا فالأمر على الإباحة لأنّ النهى على التحريم افعل و لا تفعل فهو على مطلق الإباحة و إذا كان التمايل صناعيًا كان نفاقًا و إذا كان التمايل طبيعيًا كان وجدًا لا سيطرة للإنسان عليه و الذكر راحة نفسية و على كل حال فالذاكرون و إن تمايلوا فهم خير من الذين يتمايلون فى حانات الرقص " ) ..
tag