أيها الولد: ينبغي لك أن يكون قولك وفعلك موافقا للشرع إذ العلم والعمل بلا إقتداء الشرع ضلالة



التصوف بكل لغات العالم : 
أيها الولد: خلاصة العلم أن تعلم الطاعة والعبادة ما هي. أعلم أن الطاعة والعبادة متابعة الشارع في الأوامر والنواهي بالقول والفعل. يعني: كل ما تقول وتفعل وتترك يكون بإقتداء الشرع كما لو صمت يوم العيد وأيام التشريق تكون عاصيا أو صليت في ثوب مغصوب وإن كانت صورة عبادة تأثم.
أيها الولد: ينبغي لك أن يكون قولك وفعلك موافقا للشرع إذ العلم والعمل بلا إقتداء الشرع ضلالة وينبغي لك ألا تغتر بالشطح وطامات الصوفية(2) لأن سلوك هذا الطريق يكون بالمجاهدة وقطع شهوة النفس وقتل هواها بسيف الرياضة لا بالطامات والترهات. وأعلم أن اللسان المطلق والقلب المطبق المملوء بالغفلة والشهوة وعلامة الشقاوة فإذا لم تقتل النفس بصدق المجاهدة فلن يحيا قلبك بأنوار المعرفة.
وأعلم أن بعض مسائلك التي سألتني عنها لا يستقيم جوابها بالكتابة والقول. إن تبلغ تلك الحالة تعرف ما هي وإلا فعلمها من المستحيلات لأنها ذوقية وكل ما يكون ذوقيا لا يستقيم وصفه بالقول كحلاوة الحلو ومرارة المر لا تعرف إلا بالذوق. كما حكي أن عنينا (غبيا) كتب إلي صاحب له أن عرفني لذة المجامعة كيف تكون. فكتب له في جوابه: يا فلان إني كنت حسبتك عنينا فقط. والآن عرفت أنك عنين وأحمق. لأن هذه اللذة ذوقية إن تصل إليها تعرف وإلا لا يستقيم وصفها بالقول والكتابة
أيها الولد: بعض مسائلك من هذا القبيل وأما البعض الذي يستقيم له الجواب فقد ذكرناه في "إحياء العلوم" و غيره. ونذكر هاهنا نبدأ منه ونشير إليه فنقول:
قد وجب علي السالك أربعة أمور:
الأمر الأول: اعتقاد صحيح لا يكون فيه بدعة.
الأمر الثاني: توبة نصوح لا يرجع بعدها إلي الزلة.
الأمر الثالث: استرضاء الخصوم حتى لا يبقي لأحد عليك حق.

الأمر الرابع: تحصيل علم الشريعة قدر ما تؤدي به أوامر الله تعالى ثم من العلوم الأخرى ما تكون به النجاة

==================
(2) بما أن سيدي الشيخ الإمام الغزالي (رضي الله عنه وعن سائر الصالحين) كان يدعوا إلى التصوف الإسلامي (أي تصوف العلم والعمل والأدب) الصادق الموصل إلي حضرة الله سبحانه وتعالي عن طريق الإتباع وليس الابتداع. فبذلك حذر من المدعين والكذابين الذين يأتون بلباس الصوفية ظاهرا وباطنهم خراب لقوله سبحانه وتعالي: "كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون" وهولاء إما أن يكونوا قد انحرفوا بعد أن كانوا علي خير وأما أن يكونوا مدسوسين ومندسين لضرب أهل الإسلام وقطعهم عن قائدهم سيدنا ومولانا محمد (صلي الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم) حتى يهدموا الإحسان ثم الإيمان ثم الإسلام. نقطة أخري ايضا في غاية الأهمية عندما قال الشيخ هذه العبارة كان الوقت وقت علماء الظاهر أو الشريعة بسبب سيطرتهم ونفوذهم على الحكام فلذلك خفف الشيخ الموقف بتلك العبارة للمجاملة وحتى لا يجرح مشاعرهم لأنه كان شيخ مصلح مودَب مودِب.