اصناف الأولياء من البشر



التصوف بكل لغات العالم : 
10- (ومن الأولياء أيضا الصابرون والصابرات رضي الله عنه)
تولاهم الله بالصبر وهم الذين حبسوا أنفسهم مع الله على طاعته من غير توقيت، فجعل الله جزاءهم على ذلك من غير توقيت، فقال تعالى {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} فما وقت لهم فإنهم لم يوقتوا، فعم صبرهم جميع المواطن التي يتطلبها الصبر، فكما حبسوا نفوسهم على الفعل بما أمروا به حبسوها أيضا على ترك مانهوا عن فعله وهم الذين أيضا حبسوا نفوسهم عند وقوع البلايا والرزايا بهم عن سؤال ما سوى الله في رفعها عنهم بدعاء الغير أو بشفاعة أو طلب، ولا يقدح في صبرهم شكواهم إلى الله في رفع ذلك البلاء عنهم ألا ترى أيوب عليه السلام سأل ربه رفع البلاء عنه بقوله {مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} فشكا ذلك إلى ربه عز وجل وقال له {وأنت أرحم الراحمين} ففي هذه الكلمة اثبات وضع الأسباب وعرض فيها لربه برفع البلاء عنه فاستجاب له ربه وكشف ما به من الضر.
فأثبت بقوله تعالى {فاستجبنا له} أن دعاءه كان في رفع البلاء فكشف ما به من ضر ومع هذا أثنى عليه بالصبر وشهد له به فقال سبحانه {إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب} أي رجاع إلينا فيما ابتليناه به وأثنى عليه بالعبودية فلو كان الدعاء إلى الله في رفع الضر ورفع البلايا يناقض الصبر المشروع المطلوب في هذا الطريق لم يثنى الله على أيوب بالصبر وقد أثنى عليه به، بل عندنا من سوء الأدب مع الله أن لا يسأل العبد رفع البلاء عنه لأن فيه رائحة من مقاومة القهر الإ لهي بما يجده من ا لصبر وقوته قال العارف: إنما جوعني لأبك فالعارف وإن وجد القوة الصبرية فليفر إلى مواطن الضعف والعبودية وحسن الأدب فإن القوة لله جميع. فيسأل ربه رفع البلاء عنه أو عصمته منه إن توهم وقوعه وهذا لا يناقض الرضا بالقضاء فإن البلاء إلى القضاء إنما هو عين المقضي لا القضاء فيرضي بالقضاء ويسأل الله في رفع المقضي به عنه فيكون راضياً صابراً فهؤلاء أيضاً هم الصابرون الذين أثنى الله عليهم.
روي بعض السادة وهو يبكي من الجوع فقيل له أنت من أنت وتبكي من الجوع فقال إنما جوعني لأبكي فهذه كلمة عالم بالله محقق في طريق الله عارف بنفسه وبربه.
11- (ومن الأولياء أيضاً الخاشعون والخاشعات رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالخشوع من ذل العبودية القائم بهم لتجلي سلطان الربوبية على قلوبهم في الدار الدنيا.
12- (ومن الأولياء أيضاً المتصدقون والمتصدقات رضي الله عنهم)
تولاهم الله بجوده ليجودوا بما استخلفهم الله فيه مما افتقر إليه خلق الله تعالى فاحوج الله الخلق إليهم لغناهم بالله.
13- (ومن الأولياء أيضاً الصائمون والصائمات رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالإمساك الذي يورثهم الرفعة عند الله تعالى على كل شيء أمرهم الحق أن يمسكوا عنه أنفسهم وجوارحهم، فمنه ما هو واجب ومندوب.
14- (ومن الأولياء أيضاً الحافظون لحدود الله والحافظات رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالحفظ الإلهي فحفظوا به ما تعين عليهم أن يحفظوه وهم على طبقتين ذكرهم الله تعالى فخصص وعمم وهم الحافظون فروجهم (خصص) والحافظون لحدود الله (عمم).
15- (ومن الأولياء أيضاً الذاكرون الله كثيراً والذاكرات رضي الله عنهم)
تولاهم الله بإلهام الذكر ليذكروه فيذكرهم قال تعالى {فاذكروني أذكركم} فأخر ذكره إياهم عن ذكرهم إياه وقال تعالى: أي في الحديث القدسي (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه) وقال (من تقرب إلي براً تقربت إليه ذراعا) وقال تعالى {فاتبعوني يحببكم الله} فالذكر أعلى المقامات كلها والذاكر هو الرجل، الذي له الدرجة على غيره من أهل المقامات.
16- (ومن الأولياء أيضاً التائبون والتائبات والتوابون رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالتوبة إليه في كل حال أو في حال واحد سار في كل مقام والتائب الراجع إليه تعالى من عين المخالفة ولو رجع ألف مرة في كل يوم فما يرجع إلا من المخالفة فالتوابون أحباب الله بنص كتابه، الناطق بالحق الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}.
17- (ومن الأولياء أيضاً المتطهرون من رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم القدوس بتطهيره فتطهيرهم تطهير ذاتي لا فعلي وهي صفة تنزيل قال تعالى {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} واعلم أن المتطهرين في هذا الطريق عباد الله الأولياء فالمتطهر هو الذي تطهر من كل صفة تحول بينه وبين الدخول على ربه ولهذا شرع في الصلاة الطهارة لأن الصلاة دخول على الرب لمناجاته.
18- (ومن الأولياء أيضاً الحامدون من رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله بعواقب ما تعطيه صفات الحمد فهم أهل عاقبة الأمور. قال تعالى {ولله عاقبة الأمور} فالحامد من عباد الله من يرى الحمد المطلق على ألسنة العالم كله سواء كان الحامدون من أهل الله أو لم يكونوا وسواء كان المحمود الله أو كان مما يحمد الناس به بعضهم بعض. فإنه في نفس الأمر ترجع عواقب الثناء كلها إلى الله لا إلى غيره فالحمد إنما هو لله خاصة فأي وجه كان، فالحامدون الذين أثنى الله عليهم في القرآن هم الذين طالعوا نهايات الأمور في ابتدائها وهم أهل السوابق فشرعوا في حمده ابتداء بما يرجع إليه سبحانه وتعالى جل جلاله من حمد المحجوبين انتهاء فهؤلاء هم الحامدون على الشهود بلسان الحق.
19- (ومن الأولياء أيضاً السائحون وهم المجاهدون في سبيل الله من رجال ونساء رضي الله عنهم)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله) قال تعالى {التائبون العابدون الحامدون السائحون} والسياحة المشي في الأرض للاعتبار برؤية آثار القرون الماضية ومن هلك من الأمم السالفة وذلك أن العارفين بالله لما علموا أن الأرض تزهو وتفخر بذكر الله عليها وهم رضي الله عنهم أهل إيثار وسعي في حق الغير ورأوا أن المعمور من الأرض لا يخلو عن ذاكر لله فيه من عامة الناس. وأن المفاوز المهلكة البعيدة عن العمران لا يكون فيها ذاكر لله من البشر، لزم بعض العارفين السياحة صدقة منهم على البيد التي لا يطرقها إلا أمثالهم وسواحل البحار وبطون الأودية وقلل الجبال والشعاب، والجهاد في أرض الكفر التي لا يوحد الله تعالى فيها ويعبد فيها غير الله ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم سياحة هذه الأمة الجهاد فإن الأرض إن لم يكفر عليها ولا ذكر الله فيها أحد من البشر فهي أقل حزنا وهما من الأرض التي عبد غير الله فيها وكفر عليها وهي أرض المشركين والكفار فكانت السياحة بالجهاد أفضل من السياحة في غير الجهاد ولكن بششرط أن يذكر الله عليها ولابد فإن ذكر الله في الجهاد أفضل من لقاء العدو فيضرب المؤمنون رقابهم ويضرب الكفار رقاب المؤمنين والمقصود إعلاء كلمة الله في الإماكن التي بعلو فيها ذكر غير الله ممن يعبد من دون الله فهؤلاء هم السائحون. قال سيدي محيي الدين رضي الله عنه: لقيت من أكابرهم يوسف المغاوري الجلاء ساح مجاهداً في أرض العدو عشرين سنة. وممن رابط بثغر الأعداء شاب بجلمائية نشأ في عبادة الله تعالى يقال له أحمد بن همام الشقاق بالأندلس وكان من كبار الرجال مع صغر سنه انقطع إلى الله تعالى هذا الطريق وهو دون البلوغ واستمر حاله على ذلك إلى أن مات رضي الله عنه.
20- (ومن الأولياء أيضاً الراكعون من رجال ونساء رضي الله عنهم)
وصفهم الله تعالى في كتابه العزيز بالراكعين وهو الخضوع والتواضع لله تعالى.
21- (ومن الأولياء أيضاً الساجدون من رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله بسجود القلوب فهم لا يرفعون رؤوسهم لا في الدنيا ولا في الآخرة وهو حال القربة وصفة المقربين، ولا يكون السجود إلا عن تجلٍ وشهود ولهذا قال تعالى {واسجد واقترب} يعني اقتراب كرامة وبر وتحف كما يقول الملك للرجل إذا دخل عليه فحياه بالسجود له بين يديه فيقول له الملك: ادنه ادنه حتى ينتهي منه حيث يريد من القربة. فهذا معنى قوله تعالى {واقترب} في حال السجود إعلاماً بأنه قد شاهد من سجد له وأنه بين يديه، هو يقول له اقترب ليضاعف له القربة كما قال تعالى في الحديث القدسي: (من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً). فإذا كان اقتراب العبد عن أمر إلهي كان أعظم وأتم في بره وإكرامه لأنه ممتثل أمر سيده على الكشف. فهذا هو سجود العارفين الذين أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يطهر بيته له ولأمثالهم. فقال عز من قائل {وطهر بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود} وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم {فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين}.
22- (ومن الأولياء أيضاً الآمرون بالمعروف من رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالأمر بالله إذا كان هو المعروف فلا فرق بين أن تقول الآمرون بالمعروف أو الآمرون بالله، لأنه سبحانه هو المعروف الذي لا ينكر قال تعالى {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله} مع كونهم مشركين وقالوا {وما نعبدهم} يعني الآلهة {إلا ليقربونا إلى الله زلفى} وهو المعروف عندهم بلا خلاف في ذلك في جميع النحل والملل والعقول. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من عروف نفسه فقد عرف ربه) فهو المعروف، فمن أمر به فقد أمر بالمعروف فهؤلاء هم الطبقة العليا في الأمر بالمعروف وكل آمر بمعروف فهو تحت حيطة هذا الأمر فاعلم ذلك.
23- (ومن الأولياء أيضاً الناهون عن المنكر من رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالنهي عن المنكر. والمنكر الشريك الذي أثبته المشركون بجهلهم فلم يقبله التوحيد العرفاني الإلهي وأنكره فصار منكراً من القول وزوراً فلم يكن ثم شريك له عين أصل.
24- (ومن الأولياء أيضاً الحكماء من رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالحلم وهو ترك الأخذ بالجريمة في الحال مع القدرة على ذلك فلم يعجل فإن العجلة بالأخذ عقيب الجريمة دليل على الضجر فالحليم هو الذي لا يعمل مع القدرة وارتفاع المانع.
25- (ومن الأولياء أيضاً الأواهون من رجال ونساء رضي الله عنهم)
قال سيدي محيي الدين رضي الله عنه: لقيت منهم امرأة بمرشانة الزيتون من بلاد الأندلس تدعى ياسمين مسنة تولي الله هذا الصنف بالتأوه مما يجدونه في صدورهم أثنى الله تعالى على خليله إبراهيم عليه السلام بذلك بقوله {إن إبراهيم لحليم أواه منيب} والأواه الحليم فتأوه لما رأى من عبادة قومه ما نحتوه وقد حلم فلم يعجل بأخذهم على ذلك مع قدرته عليهم بالدعاء عليهم ولهذا سمي حليماً وكان يُرجى لهم الإيمان فيما بعد فهذا سبب حلمه فلو علم من قومه ما علم نوح عليه السلام حيث قال {ولا يلدوا إلا فاجراً كفّارا} ما حلم عنهم.
26- (ومن الأولياء أيضاً الأجناد الإلهيون الذين لهم الغلبة على الأعداء من رجال ونساء رضي الله عنهم)
قال تعالى {وإن جندنا لهم الغالبون} وعدة هؤلاء الجند التقوى والمراقبة والحياء والخشية والصبر والافتقار، منهم أهل علم وإيمان يكون عنه خرق عوائد، يكون لهم ذلك مَقَامَ الأدلة للعالِمِ فيدفعون بخرق العوائد أعداء الله وأعداءهم كما يدفعه صاحب الدليل، فمثل هذه الطبقة هم المسلمون جند. وأما المؤمنون الذين ليس عندهم خرقُ عادةٍ لدفع عدو فليسوا بأجناد، وإن كانوا مؤمنين. والجامع لمعرفة هذه الطبقة أنَّ كلَّ شخص يقدر على دفع عدو بآلة تكون عنده فهو من جنده سبحانه وتعالى الذين لهم الغلبة والقهر وهو التأييد الإلهي الذي يقع به ظهورُهم على الأعداء. قال تعالى {فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين}.
27- (ومن الأولياء أيضاً الأخيار من رجال ونساء رضي الله عنهم)
قال الله تعالى {وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار} تولاهم الله بالخيرة قال تعالى {أولئك لهم الخيرات} جمع خيرة وهي الفاضلة من كل شيء. فالأخيار كل من زاد على جميع الأجناس بأمر لا يوجد في غير جنسه من العلم بالله تعالى على طريق خاص لا يحصل إلا لأهل ذلك الجنس.
28- (ومن الأولياء أيضاً الأوابون من رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالأوبة في أحوالهم قال تعالى {إنه كان للأوابين غفور} فالأواب: الرجَّاع إلى الله تعالى من كل ناحية من الأربع التي يأتي منها إبليس إلى الإنسان، من ناحية أيديهم، ومن خلفهم، وعن إيمانهم، وعن شمائلهم، فهم يرجعون في ذلك كله إلى الله تعالى أولاً وآخر.
29- (ومن الأولياء أيضاً المخبتون من رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالإخبات وهو الطمأنينة قال إبراهيم عليه السلام {ولكن ليطمئن قلبي} أي ليسكن، والخبت المطمئن من الأرض، فالذين اطمأنوا بالله من عباده وسكنت قلوبهم اطمأنوا إليه سبحانه فيه وتواضعوا تحت اسمه رفيع الدرجات وذلوا لعزته وأولئك هم المخبتون الذين أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه أن يبشرهم فقال له {وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} فهذه صفات المخبتين.
30- (ومن الأولياء أيضاً المنيبون إلى الله تعالى من رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالإنابة إليه سبحانه، قال تعالى {إن إبراهيم لحليم أواه منيب} فالرجال المنيبون هم الذين رجعوا إلى الله من كل شيء، أمرهم الله بالرجوع عنه مع شهودهم في حالهم أنهم نواب عن الله تعالى في رجوعهم.
31- (ومن الأولياء أيضاً المبصرون من رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالإبصار وهو من صفات خصائص المتقين قال تعالى {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}.
32- (ومن الأولياء أيضاً المهاجرون والمهاجرات رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالهجرة بأن ألهمهم إياها ووفقهم لها، قال الله تعالى {ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله} فالمهاجر من ترك ما أمره الله ورسوله بتركه.
33- (ومن الأولياء أيضاً المشفقون من رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالإشفاق من خشية ربهم قال تعالى {إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون} يقال: أشفقت منه فأنا مشفق إذا حذرته قال تعالى {من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون} أي حذرون من عذاب ربهم غير آمنين وقوعه بهم، فالمشفقون من الأولياء من خاف على نفسه من التبديل والتحويل فإن أمنه الله بالبشرى رجع اشفاقه على خلق الله مثل اشفاق المرسلين على أممهم.
34- (ومن الأولياء أيضاً الموفون بعهد الله من رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله بوفاء العهد قال تعالى {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا} وقال سبحانه {والذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق} وهم الذين لا يغدرون إذا عاهدوا، فالوفاء من شيم خاصة أهل الله فمن أتى في أموره التي كلفه الله أن يأتي بها على التمام أو كثر ذلك في حالاته كلها، فهو وفيّ وقد قال تعالى {وإبراهيم الذي وفَّى} وقال تعالى {ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيما} وهم أهل إشراف على الأسرار الإلهية المخزونة ويقال أوفى على الشيء إذا أشرف فمن كان بهذه المثابة من الوفاء بما كلفه الله وأشرف على ما اختزنه الله من المعارف عن أكثر عباده فذلك هو الوفي.
35- (ومن الأولياء أيضاً الواصلون ما أمر الله به أن يوصل من رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله تعالى بالتوفيق بالصلة لمن أمر الله به أن يوصل، قال تعالى {والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل} يعني صلة الأرحام وأن يصلوا من قطعهم من المؤمنين بما أمكنهم من السلام عليهم فما فوق من الإحسان ولا يؤاخذون بالجريمة التي لهم الصفح عنها والتغافل، ولا يقطعون أحداً من خلق الله إلا من أمرهم الحق بقطعه فيقطعونه معتقدين قطع الصفة لا قطع ذواتهم.
36- (ومن الأولياء أيضاً الخائفون من رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله تعالى بالخوف منه أو مما خوفهم منه امتثالاً لأمره فقال {وخافون إن كنتم مؤمنين} وأثنى عليهم بأنهم {يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار} {ويخافون سوء الحساب} فإذا خافوا التحقوا بالملأ الأعلى في هذه الصفة فإنه تعالى قال فيهم {يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون}.
37- (ومن الأولياء أيضاً المعرضون عمن أمرهم الله بالإعراض عنه من رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله بالإعراض عنهم، قال تعالى {والذين هم عن اللغو معرضون} وقال تعالى {فأعرض عمن تولى عن ذكرنا}.
38- (ومن الأولياء أيضاً الكرماء من رجال ونساء رضي الله عنهم)
تولاهم الله بكرم النفوس فقال تعالى {وإذا مروا باللغو مروا كراما} أي لم ينظروا لما أسقط الله النظر إليه فلم يتدنسوا بشي منه فمروا به غير ملتفتين إليه كراماً، فما أثر فيهم. هذا ما أردت نقله من الفتوحات المكية، وهو آخر المقدمة والحمد لله رب العالمين.