الامام الشاذلي .. والكرامات
التصوف بكل لغات العالم :
كان للإمام الشاذلي رأي في الكرامات يقول فيه: «ما ثم، كرامة أعظم من كرامة الإيمان ومتابعة السنة فمن أعطيها وجعل يشتاق إلى غيرهما فهو عبد مغتر كذاب أو ذو خطأ في العلم بالصواب كمن أكرم بشهود الملك فاشتاق إلى سياسة الدواب.. كل كرامة لا يصحبها الرضا من الله وعن الله والمحبة لله ومن الله فصاحبها مستدرج مغرور أو ناقص هالك مبتور»([69]).
ويحدثنا الإمام الشاذلي عن فائدة الكرامة فيقول: «فائدة الكرامة تعريف اليقين من الله تعالى بالعلم والقدرة والإرادة والصفات الأزلية مجتمع لا يفترق وأمر لا ينعقد كأنها صفة واحدة قائمة بذات الواحد، لا يستوي من تعرف الله إليه بنوره، بمن تعرف إليه بعقله.
ثانيًا: ولأجل أنها تثبت لمن ظهر له، ربما وجدها أهل البدايات في بداياتهم،
ونقدها أهل النهايات في نهاياتهم. إذ ما عليه أهل النهايات من الرسوخ في اليقين والقوة والتمكين لا يحتاجون معه إلى تثبيت. وهكذا كان السلف ن لم يحوجهم الحق سبحانه وتعالى إلى ظهور الكرامات الحسية لما أعطاهم من المعارف الغيبية والعلوم الإشهادية.
ثالثا: لمعرفة تفضيل الله تعالى فيمن أظهرت عليه وشاهدة له بالاستقامة مع الله سبحانه وتعالى».
وقال الشاذلي أيضا: «الكرامة الحقيقية إنما هي حصول الاستقامة، والوصول إلى كمالها ومرجعها أمران: صحة الإيمان بالله عز وجل، واتباع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا وباطنا فالواجب على العبد ألا يحرص إلا عليهما، ولا تكون له همة إلا في الوصول إليهما، وأما الكرامة بمعنى خرق العادة فلا عبرة بها عند المحققين إذ قد يرزق بها من لم تكمل استقامته وقد يرزق بها المستدرجون»([70]).
ومن هذا كله نلاحظ أن الإمام الشاذلي نفسه يقدر الكرامة المعنوية ويعتبرها الكرامة الصادقة.
أما الكرامات الحسية والتي بالغ فيها أتباعه، وأضفوا عليها شيئا من القداسة كمعجزات الأنبياء رغم أن افتراءها واضح فقد قرر الشاذلي نفسه كما رأينا أن مثل هذه الأشياء لا عبرة بها عند المحققين إذ قد يرزق بها المستدرجون. ومع ذلك فقد ألفوا وافتروا كرامات للشاذلي ما أنزل الله بها من سلطان منها قولهم: «قال ت: «الشاذلي» ليلة أخذت ميراثي من رسول الله × مكنت من خزائن السماء فلو أن الجن والإنس يكتبون عني إلى يوم القيامة لكلوا وملوا»([71]).
وليس معنى ذلك أن كل الكرامات التي قيلت عن الشاذلي غير مقبولة فهناك كرامات مقبولة كثيرة منها على سبيل المثال قول ابن عطاء الله السكندري: «قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي: كنت في بعض سياحاتي وقد أويت إلى مغارة بالقرب من مدينة المسلمين فمكثت فيها ثلاثة أيام. لم أذق طعاما. فبعد الثلاثة أيام دخل علي ناس من الروم كانت قد أرست سفينتهم هنالك. فلما رأوني قالوا: قسيس من المسلمين. فوضعوا عندي طعامًا وأداما كثيرًا فعجبت كيف رزقت على أيدي الروم ومنعت ذلك من المسلمين؟ وإذا قائل يقول لي: ليس الرجل من نصر بأحبابه، إنما الرجل من نصر بأعدائه»([72]).
وفي رحلته الأخيرة إلى الأراضي الحجازية التي توفي وهو في طريقه إليها، كان قد أوصى أصحابه أن يجهزوا معهم فأسا وحانوطا وبعض الأشياء التي يجهز بها الموتي. وكأن في ذلك كانت إشارة لقرب أجله.
لقد كان الشاذلي رحمه الله مباركا تقيًا فأكرمه الله بأعظم كرامة وهي هداية الناس لطريق الله والعمل بكتاب الله وسنة رسوله الكريم.