رأي المدرسة الشاذلية في القطب



التصوف بكل لغات العالم : 

حينما نستعرض رأي المدرسة الشاذلية في القطب نجد القطب بمفهوميه الحسي والمعنوي.

فالشاذلي يعتبر نفسه قطب زمانه (سألت الله أن يكون القطب الغوث في بيتي إلى يوم القيامة فسمعت النداء يا علي قد استجبت لك([46])) ويقول: (أخذت ميراثي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فمكنت من خزائن الأسماء([47])).

ونجد القطب المعنوي أو (الحقيقة المحمدية) من خلال صلواته على رسول الله × حين يقول فيها: (اللهم صل على سيدنا محمد أشرف الموجودات والسر الساري في سائر الأسماء والصفات وعلى آله وصحبه وسلم).

والشاذلي (لا يطلق على القطب الإنسان الكامل ولا يجعله عاما في كل إنسان متحقق بالكمال بل يسمي ذلك الإنسان الكامل الولي الصديق الصفي([48])).

ولعل قائلا يقول أن الشاذلي أخذ هذا القول عن ابن عربي والجواب (أنه أخذ ذلك عن شيخه ابن مشيش فالقطبية عند ابن مشيش حقيقة كلية جامعة قديمة كما هي عند ابن الفارض ومن صيغة الصلوات المشيشية المسماة بالوظيفة يظهر الدليل وهو قول ابن مشيش: (اللهم صل على من منه انشقت الأسرار وانطلقت الأنوار

وفيه ارتقت الحقائق وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق، وله تضاءلت الفهوم فلم يدركه منا سابق ولاحق، فرياض الملكوت بزهر جماله مونقة، وحياض الجبروت بفيض أنواره متدفقة، ولا شيء إلا وهو به منوط إذ لولا الواسطة لذهب كما قيل الموسوط، اللهم إنه سرك الجامع الدال عليك وحجابك الأعظم القائم لك بين يديك([49])).

ويقول الأستاذ الدكتور علي صافي: (والقطبانية عند الشاذلي وخلفائه في الطريق تنتقل بالوراثة من قطب إلى قطب غير مشروطة في الوارث أرومة خاصة ولا نسبًا معينا، وهي في حقيقتها وراثة لكل ما كان يتصف به النبي في حياته من علوم وأمور باطنية، أما أحوال الظاهر، وشئون الحياة الدنيوية وما يتعلق بها من أحكام الدين وظاهر الكتاب والسنة، فذلك أمر لا يرث القطب منه شيئا([50])).

وقد عثرت -كما عثر من قبلي الأستاذ علي سالم عمار- على هذه الفصلة في (العموم) و (الخصوص). وفيها بيان كامل لفكرة الحقيقة المحمدية والإنسان الكامل لدي الشاذلي.. ومع طول هذا النص فأنا أقدمه كدليل واف على أن الشاذلي من القائلين بالحقيقة المحمدية.

قال الشاذلي رحمه الله([51]): (اعلم أن العلوم التي وقع الثناء على أربابها وإن جلت فهي ظلمة في علوم ذوي التحقيق، وهم الذين غرقوا في تيار بحر الذات وغموض الصفات فكانوا هناك بلا هم، وهم الخاصة العليا، وهم الذين شاركوا الأنبياء والرسل في مراتبهم وإن جلت مراتب الأنبياء والرسل، فلهم منها نصيب، إذ ما من نبي ولا رسول إلا وله من هذه الأمة وارث، وكل وارث على قدر إرثه من مورثه،

قال النبي ×: «العلماء ورثة الأنبياء». ولا يكون وراث إلا وله نصيب معلوم من مورثه يقوم مقامه، على سبيل إرث العلم والحكمة لا على سبيل التحقيق بالمقام والحال، فإن مقامات الأنبياء قد جلت أن يلمح حقائقها غيرهم، وكل وارث في المنزلة بقدر مورثه، إذ يقول الله جل وعلا: ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ﴾ [الإسراء:55]. كذلك فضل بعض الأولياء على بعض، إذ الأنبياء بعين الحق، وكل عين مستمد منها على قدرها، وكل ولي له مادة مخصوصة، فانقسم الأولياء على قسمين: قسم منهم هم أبدال الأنبياء، وقسم منهم أبدال الرسل، فأبدال الأنبياء الصالحون، وأبدال الرسل الصديقون، فبين الصالحين والصديقين في التفضيل كما بين الأنبياء والمرسلين، فمنهم ومنهم، غير أن منهم طائفة انفردوا بالمادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدونها عين يقين، لكنهم قليلون، وهم في التحقيق كثيرون، وكل نبي وولي مادته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن الأولياء من يشهد عينه، ومنهم من يخفى عليه عينه ومادته، فيغنى فيما يرد عليه، ولا يشتغل بطلب مادته، بل هو مستغرق بحاله لا يرى غير وقته، ومنهم الذين مدوا بالنور الإلهي فنظروا به حتى عرفوا أمرهم على التحقيق، وذلك هامة لهم لا ينكرها إلا من أنكر كرامات الأولياء، فنعوذ بالله من النكران بعد العرفان، وهم الذين أخذوا طريقا لم يأخذه غيرهم، إذ الطريق طريقان: طريق خاصة وطريق عامة، فأعني بالخاصة المحبوبين الذين هم أبدال الرسل، وأعني بالعامة المحبين الذين هم أبدال الأنبياء، فعلى جميعهم السلام.

فأما طريق الخاصة، فهو طريق علوي تضمحل العقول في أقل القليل من شرحها، ولكن عليك بمعرفة طريق العامة، وهي طريق الترقي من منزل إلى منزل إلى أن ينتهي إلى منزل، وهو﴿مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر:55].

فأول طريق يطؤه المحب الترقي منه إلى العلا فهو النفس، فيشتغل بأسبابها ورياضتها إلى أن ينتهي إلى معرفتها، فإذا عرفها وتحقق بها فهناك تشرق عليه أنوار المنزل الثاني وهو القلب فيشتغل بسياسة معرفته، فإذا صح له ذلك، ولم يبق عليه منه شيء رقي إلى المنزل الثالث وهو الروح فيشتغل بسياسته ومعرفته، فإذا تمت له

المعرفة به هبت عليه أنوار اليقين شيئا فشيئا، حتى إذا آنست بصيرته بترادف الأنوار عليها برز اليقين عليه بروزا لا يعقل فيه شيئا بما تقدم له من أنوار المنازل الثلاثة، فهناك بهم ما شاء الله، ثم يمده الله بنور العقل الأصلي في أنوار اليقين، فيشهد موجودا لا حد له ولا غاية بالإضافة إلى هذا العبد، وتضمحل جميع الكائنات فيه فتارة يشهدها فيه كما يشهد الينابيب في الهواء بواسطة نور الشمس، فإذا انحرف نور الشمس من الكوة لا يشهد للينابيب أثرا، فالشمس التي يبصر بها هو العقل الضروري بعد المادة بنور اليقين، فإذا اضمحل هذا النور ذهبت الكائنات كلها وبقي الموجود، فتارة يبقى وتارة يفنى حتى إذا أريد به الكمال نودي فيه نداء خفيا لا صوت له فيمد بالفهم عنه، إلا أن الذي يشهده غير الله ليس من الله في شيء فهناك ينتبه من سكرته، فيقول أي رب أغثني أي رب أغثني، فإنني هالك فعلم يقينا أن هذا البحر لا ينجيه منه إلا الله، فحينئذ يقال له أن هذا الموجود هو العقل الذي قال فيه رسول الله ×: «أول ما خلق الله العقل». وفي خبر آخر: «قال له أقبل فأقبل». الحديث، فأعطى هذا العبد الذل وانقياد لنور هذا الموجود، إذ لا يقدر على حده وغايته، فعجز عن معرفته فقيل له هيهات لا تعرف بغيره، فأهداه الله جل وعلا بنور أسمائه فقطع ذلك كلمح البصر أو كما شاء الله نرفع درجات من نشاء. (فأمده الله بنور الروح الرباني فعرف به هذا الموجود فرقي إلى ميدان الروح الرباني.. فلما استنشق من مبادئ صفته كاد يقول هو الله، فلحقه العناية الأزلية فنادته: ألا إن هذا الموجود هو الذي لا يجوز لأحد أن يصفه ولا أن يعبر عنه بشيء من صفاته لغير أهله لكن ننور غيره يعرفه، فأمده الله بنور من الروح فإذا هو قاعد على باب ميدان السر، فرفع همته ليعرف هذا الموجود الذكا هو السر فعمي عن إدراكه فتلاشت جميع أوصافه كأنه ليس بشيء ثم أمده الله بنور ذاته ما حياه به حياة باقية لا غاية لها، فنظر جميع المعلومات بنور هذه الحياة، فصار أهل الموجودات نورا شائعا في كل شيء لا يشهده غيره فنودي من قريب: لا تغتر بالله، فإن المحبوب من حجب عن الله بالله إذ محال أن يحجبه غير فيحيا بحياة استودعها الله فيه فقال: أي رب بك منك إليك فأقل عثرتي فإني أعوذ بك منك حتى لا أرى غيرك، فهذا هو سبيل الترقي إلى حضرة العلي الأعلى وهو طريق المحبين أبدال الأنبياء، والذي يعطى أحدهم من بعد هذا لا يقدر أحد أن يصف منه ذرة، والحمد لله على نعمائه، والصلاة على محمد خاتم أنبيائه.

وأما الطريق المخصوص بالمحبوبين. فأول قدم لهم بلا قدم أن ألقى عليهم من نور ذاته. فغيبهم عن عباده وحبب إليهم الخلوات. وعظم عندهم رب الأرضين والسموات. فبينما هم كذلك إذ ألبسهم ثوب العلم فنظروا فإذا هم لا هم. ثم أردف عليهم ظلمة غيبتهم عن نظرهم بل صار عدما لا علة له فانطمست جميع العلل وزال كل حادث بلا حادث ولا موجود. بل ليس إلا العدم المحض الذي لا علة له. وما لا علة له فلا معرفة تتعلق به. أضمحلت المعلومات وزالت المرسومات زوالا لا علة فيه. ويبقى من أشير إليه لا وصف له ولا صفة ولا ذات، فهناك طهر من لم يزل ظهورًا لا علة فيه. بل أظهر سره لذاته في ذاته ظهورًا لا أولية له. بل نظر من ذاته لذاته بذاته في ذاته. فحى هذا العبد بظهوره حياة لا علة فيها. فظهر بأوصاف جميلة كلها لا علة لها. فصار أولا في الظهور لا ظاهر مثله. فوجدت الأشياء بأوصافه. وظهرت بنوره في نوره. فأول ما ظهر سره فظهر به قلبه ثم ظهر أمره سره في سره وظهرت بأمره الذوات في نور القلم بنور القلم.  ثم ظهر عقله بأمره في أمره وظهر به عرشه في نور لوحه بنور لوحه ثم ظهر روحه بعقله في عقله وظهر بروحه كرسيه في نور عرشه بنور عرشه. ثم ظهر قلبه بروحه في روحه فظهر بقلبه حجبه في نور كرسيه بنور كرسيه. ثم ظهرت نفسه بقلبه في قلبه وظهر بنفسه فلك الخير وللشر في نور حجبه بنور حجبه. ثم ظهر جسمه بنفسه في نفسه فظهر بجسمه أجسام العالم الكثيف من أرض وسماء. وعلى الجملة كل كثيف في نور الفلك بنور الفلك. فإذا أول قدم هذا المحبوب الفرد طرح النفس عدما فهو طرح لا علة فيه. فهو استقبال العدم بسقوط الأولية والأخرية والظاهرية والباطنية فيكون استقبال صفة معدومة لمعدوم.

ومعنى استقبال الصفة للمعدوم لمعدوم: أي لما انتهى العبد بدليل العلة وهو شهود الحق كلا شهادة متصلة غير منفصلة شهادة لا غفلة فيها قام عليه دليل لا علة فيه ولا له وهو شهود العدم المحض. ومعنى قيام الدليل الذي لا علة فيه ضرورة عدم المخلوقات المشهودات هو ذلك. فترادف عليه ذلك العدم المحض وهو سكرة النسيان الدائم أبدًا حتى الحياة التي قد أشير إليها فيما تقدم من الكلام على هذا المقام. فإذا طريق العهد طريق علوي أو ما طرح في بحر الذات. فانعدم فأحيا حياة طيبة

فنقل من غير تنقل إلى بحر الصفات ثم بحر الأمر الرباني. ثم بحر السر. ثم بحر القلم الأصلي. ثم بحر الروح. ثم بحر القلب. ثم بحر النفس. ثم بحر الحس. ثم لقيه بحر السر فطرحه في بحر القلمية. ثم بحر اللوحية. ثم بحر العرشية بحر الكرسي. ثم بحر الحجبية. ثم بحر الفلكية. فلقيه بحر السر المحيط فطرحه في بحر الملكية. ثم بحر الأبالسة. ثم بحر الجنسية. ثم بحر الأنسية. فلقى هناك بحر السر فطرحه في بحر الجنان. ثم بحر النيران. ثم طرحه في بحر الإحاطة وهو بحر السر. فغرق غرقا لا خروج له منه أبدًا إلا بإذن. فإن شاء بعثه عوضا عن الرسول يحيي به عباده. وإن شاء ستره. يفعل في ملكه ما يشاء.

وكل بحر من هذه الأبحر قد انطوت فيه أبحر شتى لو دخل الصالح الذي هو بدل الرسول في أقل بحر من هذه الأبحر لغرق فيه غرقا لا نجاة له منه. فهذه عبرة من بيان طريق الخصوص والعموم. والحمد لله وحده.

وهذا النص واضح وكلماته أنصع دليل على قول الشاذلي بالحقيقة المحمدية فهو مليء بالمواد والعناصر التي تؤكد ذلك. مثل قوله:

- كل ولي له مادة مخصوصة أي يستمد مادته ممن هو وارث.

- جميع الأولياء والأنبياء مادتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

- استشهاد بالحديث الشريف: «العلماء ورثة الأنبياء».. ويقصد بالعلماء هنا الأولياء.. ومن هنا يقال أن فلانا الولي محمدي أو موسوي أو عيسوي.. ويتفاضل الأولياء في الدرجات كما يتفاضل الأنبياء ذلك أن علم الولي كما يرى الشاذلي إشراق من علم النبي والمرسل.

- وقوله: «الأنبياء أعين الحق»: أنهم منبع الحق. والحق هو الله تعالى. وهنا نلمس بذرًا لابن عربي الذي قال: النبي بوصفه إنسانا كاملا هو عين الحق على صورة الحق «خلق الله آدم على صورته». الحديث.

ويقول ابن عربي: «المخلوق عين الخالق. فالعبد حق، والرب حق، وإن كان

بالطبع الشاذلي لا يسير في نفس منحى ابن عربي الذي كان ثمرته وحدة الوجود، عند محيي الدين بن عربي.. ولعل الشاذلي قد تأثر بقول العزيز الحكيم في قرآنه المجيد حين خاطب رسوله ومصطفاه سيدنا محمد ×: ﴿وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا﴾ [الطُّور:48]. وحين خاطب موسى عليه السلام: ﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي﴾ [طه:39]. وحين خاطب نوحًـا عليه السلام: ﴿أَنِ اصْنَعِ الفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ [المؤمنون:27].

- وقول الشاذلي: (وبين الصالحين والصديقين في التفضيل كما بين الأنبياء والمرسلين، غير أن منهم طائفة انفردوا بالمادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدونها عين يقين وهم قليلون، لكنهم في التحقيق كثيرون، وكل نبي وولي مادته من رسول الله صلى الله عليه وسلم «وهو الذي اعتبر نفسه كما ذكرنا من قبل قطب زمانه. وهو الذي قال من قبل: «لو غاب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحظة أو مقدار نفس ما عددت نفسي من المسلمين»).

الحق أن عناصر القول بالحقيقة المحمدية مليئة كما قلنا في نص الشاذلي مما يجعلنا نرى اعتبار الشاذلي أحد القائلين بالحقيقة المحمدية.

وقد يترتب على القول بالحقيقة المحمدية القول بوحدة الوجود. فابن عربي مثلا تدرج من القول بالحقيقة المحمدية إلى تأكيد مذهبه في وحدة الوجود.. لكن لا تجد فكرة وحدة الوجود في مذهب صاحب الطريقة الشاذلية. وها نحن نراه تيقول([52]): «وكان لي صاحب كثيرا ما يأتيني بالتوحيد، فقلت له: إن أردت التي لا لوم فيها فليكن الفرق على لسانك موجودا، والجمع في باطنك مشهودا. وأشبه شيء بوجود الكائنات إذا نظرت إليها بعين البصيرة وجود الظلال، والظل لا وجود له باعتبار جميع مراتب الوجود، ولا معدوم باعتبار جميع مراتب العدم، وإذا أثبت ظيلة الآثار لم تتسلخ أحدية المؤثرة، إذ الشيء إنما يشفع بمثله ويضم إلى شكله كذلك أيضا من شاهد ظلية الآثار لم تعقه عن الله فإن ظلال

الأشجار في الأنهار لا يعوق السفن عن التسيار»([53]).

وإننا نلاحظ أن ابن تيمية نفسه حينما هاجم أصحاب وحدة الوجود استشهد في هجومه عليهم بقول تلميذ الشاذلي (سيدي أبي العباس المرسي) في أصحاب وحدة الوجود وهو: (هؤلاء كفار يعتقدون أن الصنعة هي الصانع([54])).

وهذا يعني أن ابن تيمية يرى أن المدرسة الشاذلية بريئة تماما من القول بوحدة الوجود.

ويقول الدكتور التفتازاني: كان تصوف الشاذلي والمرسي وابن عطاء الله، وهم أركان المدرسة الشاذلية، مبتعدا عن تيار مدرسة ابن عربي ومذهبها في وحدة الوجود فلم يكن واحدا منهم قائلا بهذا المذهب([55]).

وكذلك يقول الدكتور علي صافي: (.. فلست أجد في قول الشاذلي ومأثوراته جميعًا سواء منها الأذكار والأدعية أو الأحزاب عبارة ولا جملة تدل على أنه كان يذهب مذهب الحلوليين أو الاتحاديين أو القائلين بوحدة الوجود، اللهم إلا ما أخذه عليه ابن تيمية وذلك في قوله -أعني الشاذلي- اللهم أنقذني من أوحال التوحيد.. ([56]). ومع ذلك فإن الدكتور صافي يرد على مأخذ ابن تيمية فيقول: على أن مأخذ ابن تيمية هذا على الشاذلي في الإمكان رده، بأن يقال أن الشاذلي أراد النجاة من التوحيد المتسبب عن الأدلة العقلية والبراهين المنطقية لأنه في رأيه اعتقاد غير راسخ أو هو عرضة للتزعزع والارتياب، أما التوحيد الذي يصبو إليه أو يبتغيه ويسأل الله أن يبلغه إياه فهو تلك العقيدة الفطرية المستقرة في أعماق النفس التي لم تكن مسببة عن نظر واستدلال، وإنما هي وليدة الإحساس القلبي أو الفهم الوجداني الذي يعبر عنه لدى الصوفية بالإلهام([57]).

وأنا أقرر بعد معاشرتي الطويلة لفكر الشاذلي أنه ت لم يكن من أصحاب وحدة الوجود أو القائلين بهذا المذهب بل كان ت«لا يندفع في تيار الشطحيات العنيفة، ولا يغرم بالفلسفة العميقة، ويحرص على كل مظاهر الدين المثبت بسياج الشرع المكين، ولا يذهب للسكر الذي يذهب العقل»([58]).

ولعل ذلك ما دعا السيوطي لأن يقول: «ولو أن في طريق الشاذلية أدنى عوج لم يثن عليها ابن السبكي ولا ولده تقي الدين ولا أئمة عصره ومن قاربهم»([59]).