كيفية الانتساب للطريقة القادرية



التصوف بكل لغات العالم : 

يقول الجيلاني: «فالذي يجب على المبتدئ في هذه الطريقة الاعتقاد الصحيح، الذي هو الأساس، فيكون على عقيدة السلف الصالح، أهل السنة القديمة، سنة الأنبياء والمرسلين، والصحابة والتابعين، والأولياء والصديقين؛ فعليه بالتمسك بالكتاب والسنة والعمل بهما أمرًا ونهيًا، أصلًا وفرعًا؛ فيجعلهما جناحيه يطير بهما في الطريق الواصل إلى اللَّه ﻷ، ثمَّ الصدق ثمَّ الاجتهاد؛ حتَّى يجد الهداية والإرشاد إليه، إضافة إلى هذين الأصلين الشريفين يضع الجيلاني قواعد يعتبرها مكملة، ولو أنَّها في حقيقتها مستمدة من الشرع، وهي كما يرى الجيلاني «سلامة الصدور، وسخاء النفس وبشاشة الوجه، وبذل الندى وكف الأذى، والفقر وحفظ حرمات المشايخ، والعشرة مع الإخوان، والنصيحة للأصاغر والأكابر، وترك الخصومة والأسفاف، وملازمة الإيثار، ومجانبة لاادخار، وترك صحبة من ليس من طبقتهم، والمعاونة في أمر الدين والدنيا»، هذا من حيث الاعتقاد والإيمان والعمل.

أما عن كيفية الانتساب للطريقة القادرية، فإنَّ كل سالك للطريقة القادرية عليه أن يمر بمرحلتين.

1- أولهما مرحلة الابتداء: تبدأ أو تنتهي بجلسة واحدة، قد تستغرق أقل من نصف ساعة على الأكثر، إذا كان العمل فيها جديًّا، ولهذه المرحلة مراتب، نذكرها كالآتي:

أولاً: اللقاء الأول، ويكون بين المريد وبين الشيخ، ويتضمن العهد والاتفسار والتوبة والطاعة والذكر.

والعهد من الأمور المهمة في الطريقة القادرية، والعهد بالنسبة للسالك لا يتم إلا على يد شيخ معترف، له بالمشيخة، ومجاز بالتربية الصوفية، واللقاء يأخذ الخطوات التالية:

1- قبل البدء يصلي المريد ركعتين نفلًا للَّه تعالى، وقراءة الفاتحة للنبي × ولإخوانه المرسلين.

والنبيين صلوات اللَّه وسلامه عليهم أجمعين.

2- حضور المريد بعد الصلاة والفاتحة بين يدي الشيخ وجلوسه تجاهه، لاصقًا ركبتيه اليمنى بيد لاشيخ اليمنى، وفي هذه الحالة يطلب الشيخ من المريد الاستفسار، ويكون بالصيغة التالية: (قل: أستغفر اللَّه العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، وأشهد اللَّه وملائكته ورسله وأنبياءه، بأني تائب للَّه منيب إليه، وأن الطاعة تجمعنا، وأن المعصية تفرقنا، وأنَّ العهد عهد رسوله، وأن اليد يد شيخنا وأستاذنا الشيخ محيي الدين عبد القادر الجيلاني قجَّس اللَّه سره، وعلى ذلك يأتي أحل الحلال؛ أي أعمل به، وأحرم الحرام؛ أي أتجنبه، وألازم الذكر والطاعة بقدر الاستطاعة، ورضيت بحضرة شيخنا المشار إليه، شيخًا لي وطريقته لي، واللَّه على ما أقول وكيل).

والذكر الذي ورد في صيغة العهد يكون بالتلقين

والمقصود بالذكر، هو التوحيد: (لا إله إلا اللَّه)، ويقوم الشيخ بتلقينه للمريد ثلاث مرات، وهو مغمض العينين.

وكذلك العهد يكون بالتلقين؛ أي إنَّ الشيخ يقول عبارات العهد، والمريد يرددها بعده مباشرة، وبعد الانتهاء من ترديد عبارات لاعهد، يقول الشيخ: (انفحنا بنفحة منك)، ثمَّ يقرأ آية المبايعة: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ

يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الفتح:10].

وبعد هذا، يسمع الشيخ كلمة التوحيد لمريده، مرددًا إياها ثلاث مرات، ويطلب منه أن يقولها بعده على الصورة التالية: يأخذ الشيخ كلمة (لا) أو لا من طرفه الأيمن مادًّا بها جبهته في (إله)، ثمَّ يقرأ (إلا اللَّه) من طرفه الأيسر، وهو محل الروح، هذه الحالة تتم والشيخ مغمض العينين، فإذا قالها المريد بعد الشيخ قولًا صحيحًا وطبق الأصل؛ يكون قد انتهى من أخذ العهد تمامًا.

ثانيًا: الوصايا، وهي جملة أشياء يوصي بها الشيخ مريده، مطالبًا إياه اتباعها والعمل بمضمونها، وهي تحمل الأذى وترك الأذى، الصفح عن عثرات الإخوان، بذل الكف وسخاء النفس، ترك الحقد والحسد والكذب والنميمة والفحش في الكلام، والاستقامة على الوضوء وعلى الاستغفار، والصلاة على النبي × من غير تعين عدد.

وبعد أن يقبل المريد هذه الوصايا من شيخه، ينتقل الشيخ إلى مرحلة المبايعة والقبول.

ثالثًا: المبايعة والقبول، يقول الشيخ للمريد القابل (وأنا قبلتك ولدًا، وبايعتك على هذا النوال)، وكذلك بالنسبة للمريد.

بهذه المراسيم تنتهي المبايعة بعد القبول، فتنفصل الأيدي المتشابكة، وتتبعد الركب المتلاصقة، ثمَّ تأتي مرحلة لدعاء مختومة بشرب الكأس.

رابعًا: الدعاء، الذي يصدر من الشيخ ويكون بحضور المريد وإمامه، والدعاء يكون على صورتين:

الصورة الأولى: يكون فيها عامًّا تامًّا شاملًا، ويكون بالصيغة التالية (اللهم، اجعلنا مهتدين غير ضالين ولا مضلين، سلمًا لأوليائك وعدوًّا لأعدائك، محبًّا بحبك من أحبك، ونعادي بعداوتك من خالفك، اللَّهم هذا الدعاء منك وعليك

الإجابة، وهذا الجهد وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا باللَّه العلي العظيم.

الصورة الثانية: يكون لادعاء فيها خاصًّا بالمريد، وهذه صيغته:

(اللَّهمَّ، كن برًّا رحيمًا، جوادًا كريمًا، اللَّهم دله بك إليك، اللَّهُمَّ خذه منه، اللَّهم افتح عليه فتوح الأنبياء والأولياء بجودك ورحمتك وكرمك يا أرحم الراحمين، وصلى اللَّه على سيدنا محمد، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وعلى آلهم وصحبهم أجمعين، آمين).

خامسًا: الكأس، وهو إناء يتناوله الشيخ، محتويًا على ماء قراح، وقد يكون ممزوجًا بسكر، وقد يقرأ الشيخ على الكأس قوله تعالى: ﴿سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ [يس:58]، ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [الإسراء:82]، ثمَّ يتلو ذلك قراءة الفاتحة والإخلاص ثلاث مرات، ويناول الكأس للمريد ليشربه.

على هذا النمط المتدرج، تنتهي المرحلة الأولى، فيصبح المريد في عداد المريدين، ويلزم شيخه الذي أخذ عنه العهد، فيكون طالبًا مرتبطًا بالشيخ