من عرف الإنسان الكامل عرف الحق



التصوف بكل لغات العالم : 
من عرف الإنسان الكامل عرف الحق :
إن الإنسان الكامل بنفسه عرف الحق , والإنسان الحيوان عرفه بعقله بعد ما استعمل آلة فكره , فلا المَلَك عرف الإنسان الكامل باعتراضه (( أتجعل فيها من يفسد فيها )) لأنه ما شاهده من جميع الوجوه , ولا الإنسان الحيوان عرفه بعقله من جميع وجوهه , فجهل الكل الإنسان الكامل فجهلوا الحق , فما عرف الحق إلا الإنسان الكامل , ولهذا وصفته الأنبياء بما شهدوه , وأُنزل عليهم بصفات المخلوقين لوجود الكمال الذي هو عليه الحق , وما وصل إلى هذه المعرفة بالله لا مَلَك ولا عقل إنسان حيواني , فإن الله حجب الجميع عنه , وما ظهر إلا للإنسان الكامل , الذي هو ظله الممدود , وعرشه المحدود , وبيته المقصود , والموصوف بكمال الوجود , فلا أكمل منه , لأنه لا أكمل من الحق تعالى , فعَلِمه الإنسان الكامل من حيث عقله وشهوده , فجمع بين العلم البصري الكشفي وبين العلم العقلي الفكري , فمن رأى أو من علم الإنسان الكامل الذي هو نائب الحق فقد علم من استنابه واستخلفه فإنه بصورته ظهر , فلا يعرف قدر الحق إلا من عرف الإنسان الكامل , الذي خلقه الله على صورته , وهي الخلافة , لأن الحق وصف نفسه في الصورة الظاهرة باليدين والرجلين والأعين وشبهِ ذلك , مما وردت به الأخبار , مما يقتضيه الدليل العقلي من تنزيه حكم الظاهر من ذلك في المحدثات عن جانب الله (( وما قدروا الله حق قدره )) - فحق قدره - إضافة ما أضافه إلى نفسه , مما ينكر الدليل إضافته إليه تعالى ، إذ لو انفرد دون الشرع لم يضف شيئاً من ذلك إليه , فمن أضاف مثل هذا إليه عقلاً فذلك هو الذي ما قدر الله حق قدره , وما قال أخطأ المضيف , ومن أضافه شرعاً وشهوداً , وكان على بينة من ربه , فذلك الذي قدر الله حق قدره , فالإنسان الكامل - الذي هو الخليفة - قدر الحق ظاهراً وباطناً , صورة ومنزلة ومعنى .

الشرع يقبله عقل وإيمان=وللعقول موازين وأوزان
عند الإله علوم ليس يعرفها=إلا لبيب له في الوزن رجحان
فالأمر عقل وإيمان إذا اشتركا=في حكم تنزيهه ما فيه خسران
وثم ينفرد الإيمان في طبق=بما تماثله بالشرع أكوان
والعقل من حيث حكم الفكر يدفعه=بما يؤيده في ذاك برهان
لو أن غير رسول الله جاء به=في الحين كفره زور وبهتان
إذا تأوله من غير وجهته=وقال ما لي على ما قال سلطان
لله في ذاك سر ليس يعلمه=إلا فريد وذاك الفرد إنسان
قد كمل الله في الإنشاء صورته=بصورة الحق فالقرآن فرقان
العين واحدة والحكم مختلف=للجانبين فما في النشء نقصان

فكل معرفة لجزء من العالم بالله معرفة جزئية إلا الإنسان , فإن معرفته بالله معرفة العالَمِ كله بالله , فعلمه بالله علم كلي لا علم كل , إذ لو كان علماً كُلاًّ لم يؤمر أن يقول (( رب زدني علماً )) أترى ذلك علماً بغير الله ؟ لا والله , بل بالله , فخَلَق الإنسان الكامل على صورته , ومكَّنه بالصورة من إطلاق جميع أسمائه عليه , فرداً فرداً وبعضاً بعضاً , لا ينطلق عليه مجموع الأسماء معاً في الكلمة الواحدة , ليتميز الرب من العبد الكامل , فما من اسم من الأسماء الحسنى – وكل أسماء الله حسنى – إلا وللعبد الكامل أن يدعى بها , كما له أن يدعو سيده بها .