لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح إلا بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه وأحب إليه من كل ما سواه
التصوف بكل لغات العالم :
لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح
إلا بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه وأحب إليه من كل ما سواه
معلوم أن كل حي سوى الله سبحانه : من ملك أو إنس أو جن أو حيوان فهو فقير إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره ولا يتم ذلك إلا بتصوره للنافع والضار والمنفعة من جنس النعيم واللذة والمضرة من جنس الألم والعذاب
فلابد له من أمرين : أحدهما معرفة ما هو المحبوب المطلوب الذي ينتفع به ويلتذ بإدراكه والثاني : معرفة المعين الموصل المحصعل لذلك المقصود وبإزاء ذلك أمران آخران أحدهما : مكروه بغيض ضار والثاني : معين دافع له عنه فهذه أربعة أشياء :
أحدهما : أمر هو محبوب مطلوب الوجود الثاني : أمر مكروه مطلوب العدم الثالث : الوسيلة إلى حصول المطلوب المحبوب الرابع : الوسيلة إلى دفع المكروه فهذه الأمور الأربعة ضرورية للعبد بل ولكل حيوان لا يقوم وجوده وصلاحه إلا بها
فإذا تقرر ذلك فالله تعالى هو الذي يجب أن يكون هو المقصود المدعو المطلوب الذي يراد وجهه ويبتغى قربه ويطلب رضاه وهو المعين على حصول ذلك وعبودية ما سواه والالتفات إليه والتعلق به : هو المكروه الضار والله هو المعين على دفعه فهو سبحانه الجامع لهذه الأمور الأربعة دون ما سواه فهو المعبود المحبوب المراد وهو المعين لعبده على وصوله إليه وعبادته له والمكروه البغيض إنما يكون بمشيئته وقدرته وهو المعين لعبده على دفعه عنه كما قال أعرف الخلق به : أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك وقال : اللهم إني أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك فمنه المنجي وإليه الملجأ وبه الاستعاذة من شر ما هو كائن بمشيئته وقدرته فالإعاذة فعله والمستعاذ منه فعله أو مفعوله الذي خلقه بمشيئته
فالأمر كله له والحمد كله له والملك كله له والخير كله في يديه لا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه بل هو كما أثني على نفسه وفوق ما يثني عليه كل أحد من خلقه ولهذا كان صلاح العبد وسعادته في تحقيق معنى قوله : إياك نعبد وإياك نستعين [ الفاتحه : 4 ] فإن العبودية تتضمن المقصود المطلوب لكن على أكمل الوجوه والمستعان هو الذي يستعان به على المطلوب فالأول : من معنى ألوهيته والثاني : من معنى ربوبيته فإن الإله هو الذي تألهه القلوب : محبة وإنابة وإجلالا وإكراما وتعظيما وذلا وخضوعا وخوفا ورجاء وتوكلا والرب هو الذي يربى عبده فيعطيه خلقه ثم يهديه إلى مصالحه فلا إله إلا هو ولا رب إلا هو فكما أن ربوبية ما سواه أبطل الباطل فكذلك إلهية ما سواه
وقد جمع الله سبحانه بين هذين الأصلين في مواضع من كتابه كقوله : فاعبده وتوكل عليه [ هود : 123 ] وقوله عن نبيه شعيب : وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب [ هود : 88 ] وقوله : وتوكل على الحىالذي لا يموت وسبح بحمده [ الفرقان : 58 ] وقوله : وتبتل إليه تبتيلا رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا [ المزمل : 8 ] وقوله : قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب [ الرعد : 30 ] وقوله عن الحنفاء أتباع إبراهيم عليه السلام : ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير [ الممتحنة : 4 ]
فهذه سبعة مواضع تنتظم هذين الأصلين الجامعين لمعنيى التوحيد اللذين لا سعادة للعبد بدونهما ألبتة
الوجه الثاني : أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته الجامعة لمعرفته والانابة إليه ومحبته والاخلاص له فبذكره تطمئن قلوبهم وتسكن نفوسهم وبرؤيته في الآخرة تقر عيونهم ويتم نعيمهم فلا يعطيهم في الآخرة شيئا هو أحب إليهم ولا أقر لعيونهم ولا أنعم لقلوبهم : من النظر اليه وسماع كلامه منه بلا واسطة ولم يعطهم في الدنيا شيئا خيرا لهم ولا أحب إليهم ولا أقر لعيونهم من الإيمان به ومحبته والشوق إلى لقائه والأنس بقربه والتنعم بذكره وقد جمع النبي صلى الله عليه و سلم بين هذين الأمرين في الدعاء الذي رواه النسائي والإمام أحمد وابن حبان في صحيحه وغيرهم من حديث عمار بن ياسر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يدعو به : اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى وأسلك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لاتنقطع وأسألك الرضى بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك وأسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين
فجمع في هذا الدعاء العظيم القدر بين أطيب شىء في الدنيا وهو الشوق إلى لقائه سبحانه وأطيب شىء في الآخرة وهو النظر إلى وجهه سبحانه ولما كان كمال ذلك وتمامه موقوفا على عدم ما يضر في الدنيا ويفتن في الدين قال : في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة
ولما كان كمال العبد في أن يكون عالما بالحق متبعا له معلما لغيره مرشدا له قال : واجعلنا هداة مهتدين
ولما كان الرضى النافع المحصل للمقصود هو الرضى بعد وقوع القضاء لاقبله فإن ذلك عزم على الرضى فإذا وقع القضاء انفسخ ذلك العزم سأل الرضى بعده فإن المقدور يكتنفه أمران : الاستخارة قبل وقوعه والرضى بعد وقوعه فمن سعادة العبد أن يجمع بينهما كما في المسند وغيره عنهAإن من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه
بما قضى الله وإن من شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله وسخطه بما قضى الله تعالى
ولما كانت خشية الله عز و جل رأس كل خير في المشهد والمغيب سأله خشيته في الغيب والشهادة
ولما كان أكثر الناس إنما يتكلم بالحق في رضاه فإذا غضب أخرجه غضبه إلى الباطل وقد يدخله أيضا رضاه في الباطل سأل الله عز و جل أن يوفقه لكلمة الحق في الغضب والرضى ولهذا قال بعض السلف : لا تكن ممن إذا رضي أدخله رضاه في الباطل وإذا غضب أخرجه غضبه من الحق
ولما كان الفقر والغنى بليتين ومحنتين يبتلي الله بهما عبده ففي الغنى يبسط يده وفي الفقر يقبضها سأل الله عز و جل القصد في الحالتين وهو التوسط الذي ليس معه إسراف ولا تقتير
ولما كان النعيم نوعين : نوعا للبدن ونوعا للقلب وهو قرة العين وكماله بدوامه واستمراره جمع بينهما في قوله : أسألك نعيما لا ينفد وقرة عين لا تنقطع ولما كانت الزينة زينتين : زينة البدن وزينة القلب وكانت زينة القلب أعظمهما قدرا وأجلهما خطرا وإذا حصلت زينة البدن على أكمل الوجوه في العقبى سأل ربه الزينة الباطنة فقال زينا بزينة الإيمان
ولما كان العيش في هذه الدار لا يبرد لأحد كائنا من كان بل هو محشو بالغصص والنكد ومحفوف بالآلام الباطنة والظاهرة سأل برد العيش بعد الموت
والمقصود : أنه جمع في هذا الدعاء بين أطيب ما في الدنيا وأطيب ما في الآخرة فإن حاجة العباد إلى ربهم في عبادتهم إياه وتأليههم له كحاجتهم إليه في خلقه لهم ورزقه إياهم
ومعافاة أبدانهم وستر عوراتهم وتأمين روعاتهم بل حاجتهم إلى تأليهه ومحبته وعبوديته أعظم فإن ذلك هو الغاية المقصودة لهم ولا صلاح لهم ولا نعيم ولا فلاح ولا لذة ولا سعادة بدون ذلك بحال ولهذا كانت لا اله إلا الله أحسن الحسنات وكان توحيد الإلهية رأس الأمر وأما توحيد الربوبية الذي أقر به المسلم والكافر وقرره أهل الكلام في كتبهم فلا يكفي وحده بل هو الحجة عليهم كما بين ذلك سبحانه في كتابه الكريم في عدة مواضع ولهذا كان حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا كما في الحديث الصحيح الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبيAقال : أتدري ما حق الله على عباده قلت : الله ورسوله أعلم قال : حقه على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك قلت : الله ورسوله أعلم قال : حقهم عليه أن لا يعذبهم بالنار ولذلك يحب سبحانه عباده المؤمنين الموحدين ويفرح بتوبتهم كما أن في ذلك أعظم لذة فليس في الكائنات شيء غير الله عز و جل يسكن القلب إليه ويطمئن به ويأنس به ويتنعم بالتوجه إليه ومن عبد غيره سبحانه وحصل له به نوع منفعة ولذة فمضرته بذلك أضعاف أضعاف منفعته وهو بمنزلة أكل الطعام المسموم اللذيذ وكما أن السموات والأرض لو كان فيهما آلهة غيره سبحانه لفسدتا كما قال تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ الأنبياء : 22 ] فكذلك القلب إذا كان فيه معبود غير الله تعالى فسد فسادا لا يرجى صلاحه إلا بأن يخرج ذلك المعبود منه ويكون الله تعالى وحده إلهه ومعبوده الذي يحبه ويرجوه ويخافه ويتوكل عليه وينيب إليه الوجه الثالث : أن فقر العبد إلى أن يعبد الله سبحانه وحده لا يشرك به شيئا ليس له نظير فيقاس به لكن يشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الغذاء والشراب والنفس فيقاس بها لكن بينهما فروق كثيرة فإن حقيقة العبد قلبه وروحه ولا صلاح له إلا بالهه الحق الذي لا إله إلا هو فلا يطمئن إلا بذكره ولا يسكن إلا بمعرفته وحبه وهو كادح إليه كدحا فملاقيه ولا بد له من لقائه ولا صلاح له إلا بتوحيد محبته وعبادته وخوفه ورجائه ولو حصل له من اللذات والسرور بغيره ما حصل فلا يدوم له ذلك بل ينتقل من نوع إلى نوع ومن شخص إلى شخص ويتنعم بهذا في حال وبهذا في حال وكثيرا ما يكون ذلك
الذي يتنعم به هو أعظم أسباب ألمه ومضرته وأما إلهه الحق فلا بد له منه في كل وقت وفي كل حال وأينما كان فنفس الإيمان به ومحبته وعبادته وإجلاله وذكره هو غذاء الإنسان وقوته وصلاحه وقوامه كما عليه أهل الإيمان ودلت عليه السنة والقرآن وشهدت به الفطرة والجنان لا كما يقوله من قل نصيبه من التحقيق والعرفان وبخس حظه من الإحسان : إن عبادته وذكره وشكره تكليف ومشقة لمجرد الابتلاء والامتحان أو لأجل مجرد التعويض بالثواب المنفصل كالمعاوضة بالأثمان أو لمجرد رياضة النفس وتهذيبها ليرتفع عن درجة البهيم من الحيوان كما هي مقالات من بخس حظه من معرفة الرحمن وقل نصيبه من ذوق حقائق الإيمان وفرح بما عنده من زبد الأفكار وزبالة الأذهان بل عبادته ومعرفته وتوحيده وشكره قرة عين الإنسان وأفضل لذة للروح والقلب والجنان وأطيب نعيم ناله من كان أهلا لهذا الشان والله المستعان وعليه التكلان
وليس المقصود بالعبادات والأوامر المشقة والكلفة بالقصد الأول وإن وقع ذلك ضمنا وتبعا في بعضها لأسباب اقتضته لابد منها هي من لوازم هذه النشأة
فأوامراه سبحانه وحقه الذي أوجبه على عباده وشرائعه التي شرعها لهم هي قرة العيون ولذة القلوب ونعيم الأرواح وسرورها وبها شفاؤها وسعادتها وفلاحها وكمالها في معاشها ومعادها بل لا سرور لها ولا فرح ولا لذة ولا نعيم في الحقيقة إلا بذلك كما قال تعالى : يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون [ يونس : 57 ] قال أبو سعيد الخدري : فضل الله : القرآن ورحمته : أن جعلكم من أهله وقال هلال بن يساف : بالإسلام الذي هداكم إليه وبالقرآن الذي علمكم إياه هو خير مما تجمعون : من الذهب والفضة وكذلك قال : ابن عباس والحسن وقتادة : فضله : الإسلام ورحمته : القرآن وقالت طائفة من السلف : فضله القرآن ورحمته الإسلام
والتحقيق : أن كلا منهما فيه الوصفان الفضل والرحمة وهما الأمران اللذان امتن الله بهما على رسوله عليه الصلاة و السلام فقال : وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان [ الشورى : 52 ] والله سبحانه إنما رفع من رفع بالكتاب والإيمان ووضع من وضع بعدمها
فإن قيل : فقد وقع تسمية ذلك تكليفا في القرآن كقوله : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ البقره : 286 ] وقوله : لا نكلف نفسا إلا وسعها [ الأنعام : 152 ]
قيل : نعم إنما جاء ذلك في جانب النفي ولم يسم سبحانه أوامره ووصاياه وشرائعه تكليفا قط بل سماها روحا ونورا وشفاء وهدى ورحمة وحياة وعهدا ووصية ونحو ذلك
الوجه الرابع : أن أفضل نعيم الآخرة وأجله وأعلاه على الإطلاق هو النظر إلى وجه الرب عز و جل وسماع خطابه كما في صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه عن النبيA إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون : ما هو ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار قال : فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وفي حديث آخر : فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه فبين عليه الصلاة و السلام أنهم مع كمال تنعمهم بما أعطاهم ربهم في الجنة لم يعطهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وإنما كان ذلك أحب إليهم لأن ما يحصل لهم به من اللذة والنعيم والفرح والسرور وقرة العين فوق ما يحصل لهم من التمتع بالأكل والشرب والحور العين ولا نسبة بين اللذتين والنعيمين ألبتة ولهذا قال سبحانه وتعالى في حق الكفار : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم [ المطففين : 15 ] فجمع عليهم نوعي العذاب : عذاب النار وعذاب الحجاب عنه سبحانه كما جمع لأوليائه نوعي النعيم : نعيم التمتع بما في الجنة ونعيم التمتع برؤيته وذكر سبحانه هذه الأنواع الأربعة في هذه السورة فقال في حق الأبرار : إن الأبرار لفي نعيم على الارائك ينظرون [ المطففين : 23 ] ولقد هضم معنى الآية من قال : ينظرون إلى أعدائهم يعذبون أو ينظرون إلى قصورهم وبساتينهم أو ينظر بعضهم إلى بعض وكل هذا عدول عن المقصود إلى غيره وإنما المعنى ينظرون إلى وجه ربهم ضد حال الكفار الذين هم عن ربهم لمحجوبون : ثم إنهم لصالوا الجحيم [ المطففين : 32 ] وتأمل كيف قابل سبحانه ما قاله الكفار في أعدائهم في الدنيا وسخروا به منهم بضده في القيامة فإن الكفار كانوا إذا مر بهم المؤمنون يتغامزون ويضحكون منهم و إذا رأوهم قالوا إن هؤلآء لضالون [ المطففين : 32 ] فقال تعالى :
فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون [ المطففين : 34 ] مقابلة لتغامزهم وضحكهم منهم ثم قال : على الأرائك ينظرون [ المطففين : 23 ] فأطلق النظر ولم يقيده بمنظور دون منظور وأعلى ما نظروا إليه وأجله وأعظمه هو الله سبحانه والنظر إليه أجل أنواع النظر وأفضلها وهو أعلى مراتب الهداية فقابل بذلك قولهم إن هؤلاء لضالون فالنظر إلى الرب سبحانه مراد من هذين الموضعين ولا بد إما بخصوصه وإما بالعموم والإطلاق ومن تأمل السياق لم يجد الآيتين تحتملان غير إرادة ذلك خصوصا أو عموما
لا سعادة للقلب ولا لذة ولا نعيم ولا صلاح
إلا بأن يكون الله هو إلهه وفاطره وحده وهو معبوده وغاية مطلوبه وأحب إليه من كل ما سواه
معلوم أن كل حي سوى الله سبحانه : من ملك أو إنس أو جن أو حيوان فهو فقير إلى جلب ما ينفعه ودفع ما يضره ولا يتم ذلك إلا بتصوره للنافع والضار والمنفعة من جنس النعيم واللذة والمضرة من جنس الألم والعذاب
فلابد له من أمرين : أحدهما معرفة ما هو المحبوب المطلوب الذي ينتفع به ويلتذ بإدراكه والثاني : معرفة المعين الموصل المحصعل لذلك المقصود وبإزاء ذلك أمران آخران أحدهما : مكروه بغيض ضار والثاني : معين دافع له عنه فهذه أربعة أشياء :
أحدهما : أمر هو محبوب مطلوب الوجود الثاني : أمر مكروه مطلوب العدم الثالث : الوسيلة إلى حصول المطلوب المحبوب الرابع : الوسيلة إلى دفع المكروه فهذه الأمور الأربعة ضرورية للعبد بل ولكل حيوان لا يقوم وجوده وصلاحه إلا بها
فإذا تقرر ذلك فالله تعالى هو الذي يجب أن يكون هو المقصود المدعو المطلوب الذي يراد وجهه ويبتغى قربه ويطلب رضاه وهو المعين على حصول ذلك وعبودية ما سواه والالتفات إليه والتعلق به : هو المكروه الضار والله هو المعين على دفعه فهو سبحانه الجامع لهذه الأمور الأربعة دون ما سواه فهو المعبود المحبوب المراد وهو المعين لعبده على وصوله إليه وعبادته له والمكروه البغيض إنما يكون بمشيئته وقدرته وهو المعين لعبده على دفعه عنه كما قال أعرف الخلق به : أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك وقال : اللهم إني أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك فمنه المنجي وإليه الملجأ وبه الاستعاذة من شر ما هو كائن بمشيئته وقدرته فالإعاذة فعله والمستعاذ منه فعله أو مفعوله الذي خلقه بمشيئته
فالأمر كله له والحمد كله له والملك كله له والخير كله في يديه لا يحصي أحد من خلقه ثناء عليه بل هو كما أثني على نفسه وفوق ما يثني عليه كل أحد من خلقه ولهذا كان صلاح العبد وسعادته في تحقيق معنى قوله : إياك نعبد وإياك نستعين [ الفاتحه : 4 ] فإن العبودية تتضمن المقصود المطلوب لكن على أكمل الوجوه والمستعان هو الذي يستعان به على المطلوب فالأول : من معنى ألوهيته والثاني : من معنى ربوبيته فإن الإله هو الذي تألهه القلوب : محبة وإنابة وإجلالا وإكراما وتعظيما وذلا وخضوعا وخوفا ورجاء وتوكلا والرب هو الذي يربى عبده فيعطيه خلقه ثم يهديه إلى مصالحه فلا إله إلا هو ولا رب إلا هو فكما أن ربوبية ما سواه أبطل الباطل فكذلك إلهية ما سواه
وقد جمع الله سبحانه بين هذين الأصلين في مواضع من كتابه كقوله : فاعبده وتوكل عليه [ هود : 123 ] وقوله عن نبيه شعيب : وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب [ هود : 88 ] وقوله : وتوكل على الحىالذي لا يموت وسبح بحمده [ الفرقان : 58 ] وقوله : وتبتل إليه تبتيلا رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا [ المزمل : 8 ] وقوله : قل هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب [ الرعد : 30 ] وقوله عن الحنفاء أتباع إبراهيم عليه السلام : ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير [ الممتحنة : 4 ]
فهذه سبعة مواضع تنتظم هذين الأصلين الجامعين لمعنيى التوحيد اللذين لا سعادة للعبد بدونهما ألبتة
الوجه الثاني : أن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق لعبادته الجامعة لمعرفته والانابة إليه ومحبته والاخلاص له فبذكره تطمئن قلوبهم وتسكن نفوسهم وبرؤيته في الآخرة تقر عيونهم ويتم نعيمهم فلا يعطيهم في الآخرة شيئا هو أحب إليهم ولا أقر لعيونهم ولا أنعم لقلوبهم : من النظر اليه وسماع كلامه منه بلا واسطة ولم يعطهم في الدنيا شيئا خيرا لهم ولا أحب إليهم ولا أقر لعيونهم من الإيمان به ومحبته والشوق إلى لقائه والأنس بقربه والتنعم بذكره وقد جمع النبي صلى الله عليه و سلم بين هذين الأمرين في الدعاء الذي رواه النسائي والإمام أحمد وابن حبان في صحيحه وغيرهم من حديث عمار بن ياسر : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يدعو به : اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة وأسألك كلمة الحق في الغضب والرضى وأسلك القصد في الفقر والغنى وأسألك نعيما لا ينفد وأسألك قرة عين لاتنقطع وأسألك الرضى بعد القضاء وأسألك برد العيش بعد الموت وأسألك لذة النظر إلى وجهك وأسألك الشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين
فجمع في هذا الدعاء العظيم القدر بين أطيب شىء في الدنيا وهو الشوق إلى لقائه سبحانه وأطيب شىء في الآخرة وهو النظر إلى وجهه سبحانه ولما كان كمال ذلك وتمامه موقوفا على عدم ما يضر في الدنيا ويفتن في الدين قال : في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة
ولما كان كمال العبد في أن يكون عالما بالحق متبعا له معلما لغيره مرشدا له قال : واجعلنا هداة مهتدين
ولما كان الرضى النافع المحصل للمقصود هو الرضى بعد وقوع القضاء لاقبله فإن ذلك عزم على الرضى فإذا وقع القضاء انفسخ ذلك العزم سأل الرضى بعده فإن المقدور يكتنفه أمران : الاستخارة قبل وقوعه والرضى بعد وقوعه فمن سعادة العبد أن يجمع بينهما كما في المسند وغيره عنهAإن من سعادة ابن آدم استخارة الله ورضاه
بما قضى الله وإن من شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله وسخطه بما قضى الله تعالى
ولما كانت خشية الله عز و جل رأس كل خير في المشهد والمغيب سأله خشيته في الغيب والشهادة
ولما كان أكثر الناس إنما يتكلم بالحق في رضاه فإذا غضب أخرجه غضبه إلى الباطل وقد يدخله أيضا رضاه في الباطل سأل الله عز و جل أن يوفقه لكلمة الحق في الغضب والرضى ولهذا قال بعض السلف : لا تكن ممن إذا رضي أدخله رضاه في الباطل وإذا غضب أخرجه غضبه من الحق
ولما كان الفقر والغنى بليتين ومحنتين يبتلي الله بهما عبده ففي الغنى يبسط يده وفي الفقر يقبضها سأل الله عز و جل القصد في الحالتين وهو التوسط الذي ليس معه إسراف ولا تقتير
ولما كان النعيم نوعين : نوعا للبدن ونوعا للقلب وهو قرة العين وكماله بدوامه واستمراره جمع بينهما في قوله : أسألك نعيما لا ينفد وقرة عين لا تنقطع ولما كانت الزينة زينتين : زينة البدن وزينة القلب وكانت زينة القلب أعظمهما قدرا وأجلهما خطرا وإذا حصلت زينة البدن على أكمل الوجوه في العقبى سأل ربه الزينة الباطنة فقال زينا بزينة الإيمان
ولما كان العيش في هذه الدار لا يبرد لأحد كائنا من كان بل هو محشو بالغصص والنكد ومحفوف بالآلام الباطنة والظاهرة سأل برد العيش بعد الموت
والمقصود : أنه جمع في هذا الدعاء بين أطيب ما في الدنيا وأطيب ما في الآخرة فإن حاجة العباد إلى ربهم في عبادتهم إياه وتأليههم له كحاجتهم إليه في خلقه لهم ورزقه إياهم
ومعافاة أبدانهم وستر عوراتهم وتأمين روعاتهم بل حاجتهم إلى تأليهه ومحبته وعبوديته أعظم فإن ذلك هو الغاية المقصودة لهم ولا صلاح لهم ولا نعيم ولا فلاح ولا لذة ولا سعادة بدون ذلك بحال ولهذا كانت لا اله إلا الله أحسن الحسنات وكان توحيد الإلهية رأس الأمر وأما توحيد الربوبية الذي أقر به المسلم والكافر وقرره أهل الكلام في كتبهم فلا يكفي وحده بل هو الحجة عليهم كما بين ذلك سبحانه في كتابه الكريم في عدة مواضع ولهذا كان حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا كما في الحديث الصحيح الذي رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبيAقال : أتدري ما حق الله على عباده قلت : الله ورسوله أعلم قال : حقه على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك قلت : الله ورسوله أعلم قال : حقهم عليه أن لا يعذبهم بالنار ولذلك يحب سبحانه عباده المؤمنين الموحدين ويفرح بتوبتهم كما أن في ذلك أعظم لذة فليس في الكائنات شيء غير الله عز و جل يسكن القلب إليه ويطمئن به ويأنس به ويتنعم بالتوجه إليه ومن عبد غيره سبحانه وحصل له به نوع منفعة ولذة فمضرته بذلك أضعاف أضعاف منفعته وهو بمنزلة أكل الطعام المسموم اللذيذ وكما أن السموات والأرض لو كان فيهما آلهة غيره سبحانه لفسدتا كما قال تعالى : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ الأنبياء : 22 ] فكذلك القلب إذا كان فيه معبود غير الله تعالى فسد فسادا لا يرجى صلاحه إلا بأن يخرج ذلك المعبود منه ويكون الله تعالى وحده إلهه ومعبوده الذي يحبه ويرجوه ويخافه ويتوكل عليه وينيب إليه الوجه الثالث : أن فقر العبد إلى أن يعبد الله سبحانه وحده لا يشرك به شيئا ليس له نظير فيقاس به لكن يشبه من بعض الوجوه حاجة الجسد إلى الغذاء والشراب والنفس فيقاس بها لكن بينهما فروق كثيرة فإن حقيقة العبد قلبه وروحه ولا صلاح له إلا بالهه الحق الذي لا إله إلا هو فلا يطمئن إلا بذكره ولا يسكن إلا بمعرفته وحبه وهو كادح إليه كدحا فملاقيه ولا بد له من لقائه ولا صلاح له إلا بتوحيد محبته وعبادته وخوفه ورجائه ولو حصل له من اللذات والسرور بغيره ما حصل فلا يدوم له ذلك بل ينتقل من نوع إلى نوع ومن شخص إلى شخص ويتنعم بهذا في حال وبهذا في حال وكثيرا ما يكون ذلك
الذي يتنعم به هو أعظم أسباب ألمه ومضرته وأما إلهه الحق فلا بد له منه في كل وقت وفي كل حال وأينما كان فنفس الإيمان به ومحبته وعبادته وإجلاله وذكره هو غذاء الإنسان وقوته وصلاحه وقوامه كما عليه أهل الإيمان ودلت عليه السنة والقرآن وشهدت به الفطرة والجنان لا كما يقوله من قل نصيبه من التحقيق والعرفان وبخس حظه من الإحسان : إن عبادته وذكره وشكره تكليف ومشقة لمجرد الابتلاء والامتحان أو لأجل مجرد التعويض بالثواب المنفصل كالمعاوضة بالأثمان أو لمجرد رياضة النفس وتهذيبها ليرتفع عن درجة البهيم من الحيوان كما هي مقالات من بخس حظه من معرفة الرحمن وقل نصيبه من ذوق حقائق الإيمان وفرح بما عنده من زبد الأفكار وزبالة الأذهان بل عبادته ومعرفته وتوحيده وشكره قرة عين الإنسان وأفضل لذة للروح والقلب والجنان وأطيب نعيم ناله من كان أهلا لهذا الشان والله المستعان وعليه التكلان
وليس المقصود بالعبادات والأوامر المشقة والكلفة بالقصد الأول وإن وقع ذلك ضمنا وتبعا في بعضها لأسباب اقتضته لابد منها هي من لوازم هذه النشأة
فأوامراه سبحانه وحقه الذي أوجبه على عباده وشرائعه التي شرعها لهم هي قرة العيون ولذة القلوب ونعيم الأرواح وسرورها وبها شفاؤها وسعادتها وفلاحها وكمالها في معاشها ومعادها بل لا سرور لها ولا فرح ولا لذة ولا نعيم في الحقيقة إلا بذلك كما قال تعالى : يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون [ يونس : 57 ] قال أبو سعيد الخدري : فضل الله : القرآن ورحمته : أن جعلكم من أهله وقال هلال بن يساف : بالإسلام الذي هداكم إليه وبالقرآن الذي علمكم إياه هو خير مما تجمعون : من الذهب والفضة وكذلك قال : ابن عباس والحسن وقتادة : فضله : الإسلام ورحمته : القرآن وقالت طائفة من السلف : فضله القرآن ورحمته الإسلام
والتحقيق : أن كلا منهما فيه الوصفان الفضل والرحمة وهما الأمران اللذان امتن الله بهما على رسوله عليه الصلاة و السلام فقال : وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان [ الشورى : 52 ] والله سبحانه إنما رفع من رفع بالكتاب والإيمان ووضع من وضع بعدمها
فإن قيل : فقد وقع تسمية ذلك تكليفا في القرآن كقوله : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها [ البقره : 286 ] وقوله : لا نكلف نفسا إلا وسعها [ الأنعام : 152 ]
قيل : نعم إنما جاء ذلك في جانب النفي ولم يسم سبحانه أوامره ووصاياه وشرائعه تكليفا قط بل سماها روحا ونورا وشفاء وهدى ورحمة وحياة وعهدا ووصية ونحو ذلك
الوجه الرابع : أن أفضل نعيم الآخرة وأجله وأعلاه على الإطلاق هو النظر إلى وجه الرب عز و جل وسماع خطابه كما في صحيح مسلم عن صهيب رضي الله عنه عن النبيA إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد : يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون : ما هو ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويجرنا من النار قال : فيكشف الحجاب فينظرون إليه فما أعطاهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وفي حديث آخر : فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه فبين عليه الصلاة و السلام أنهم مع كمال تنعمهم بما أعطاهم ربهم في الجنة لم يعطهم شيئا أحب إليهم من النظر إليه وإنما كان ذلك أحب إليهم لأن ما يحصل لهم به من اللذة والنعيم والفرح والسرور وقرة العين فوق ما يحصل لهم من التمتع بالأكل والشرب والحور العين ولا نسبة بين اللذتين والنعيمين ألبتة ولهذا قال سبحانه وتعالى في حق الكفار : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم [ المطففين : 15 ] فجمع عليهم نوعي العذاب : عذاب النار وعذاب الحجاب عنه سبحانه كما جمع لأوليائه نوعي النعيم : نعيم التمتع بما في الجنة ونعيم التمتع برؤيته وذكر سبحانه هذه الأنواع الأربعة في هذه السورة فقال في حق الأبرار : إن الأبرار لفي نعيم على الارائك ينظرون [ المطففين : 23 ] ولقد هضم معنى الآية من قال : ينظرون إلى أعدائهم يعذبون أو ينظرون إلى قصورهم وبساتينهم أو ينظر بعضهم إلى بعض وكل هذا عدول عن المقصود إلى غيره وإنما المعنى ينظرون إلى وجه ربهم ضد حال الكفار الذين هم عن ربهم لمحجوبون : ثم إنهم لصالوا الجحيم [ المطففين : 32 ] وتأمل كيف قابل سبحانه ما قاله الكفار في أعدائهم في الدنيا وسخروا به منهم بضده في القيامة فإن الكفار كانوا إذا مر بهم المؤمنون يتغامزون ويضحكون منهم و إذا رأوهم قالوا إن هؤلآء لضالون [ المطففين : 32 ] فقال تعالى :
فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون [ المطففين : 34 ] مقابلة لتغامزهم وضحكهم منهم ثم قال : على الأرائك ينظرون [ المطففين : 23 ] فأطلق النظر ولم يقيده بمنظور دون منظور وأعلى ما نظروا إليه وأجله وأعظمه هو الله سبحانه والنظر إليه أجل أنواع النظر وأفضلها وهو أعلى مراتب الهداية فقابل بذلك قولهم إن هؤلاء لضالون فالنظر إلى الرب سبحانه مراد من هذين الموضعين ولا بد إما بخصوصه وإما بالعموم والإطلاق ومن تأمل السياق لم يجد الآيتين تحتملان غير إرادة ذلك خصوصا أو عموما