الزي الصوفي



التصوف بكل لغات العالم : 
الزي الصوفي
هيئتهم ومسحتهم وصفتهم: وأما هيئتهم ومسحتهم وصفتهم في الملبس فهم يقتفون آثار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في الهيئة التي كان عليها بين الناس كافة وفي الأعياد ومقابلة الملوك فلم يترك صلى الله عليه وسلم مما يلبسه الناس من خشن الملبوس إلا ولبسه وكان يجاري الفقراء في كل شيء حتى أنه كان لا يلبس النعال إلا قليلاً وكان ابن مسعود رضي الله عنه يحمل نعليه ويمشي خلفه صلى الله عليه وسلم حتى قال الشيخ النبهاني:
فاز ابن مسعود بحمله لنعاله وأنا السعيد بخدمتي لمثالها
وعاش الإمام مالك طول حياته بالمدينة لم ينتعل فيها قط، ولما قيل له لم هذا؟ قال كيف أطأ أرضاً وطئتها أقدام النبي صلى الله عليه وسلم بالنعال. وكان صلى الله عليه وسلم يلبس الخشن من البرود اليمانية التي أصلها من شعر وصوف ولبس صلى الله عليه وسلم في العمائم جميع الألوان وكان أيضاً صلى الله عليه وسلم يحب أكل الخشن من الطعام ففي فتح مكة بعد أن انتهى صلى الله عليه وسلم جاء إلى السيدة أم هانىء وقال: هل عندك من طعام؟ قالت: عيش يابس وخل وقدمته لحضرته صلى الله عليه وسلم وقال: (ما عال بيت فيه أدم من خل) وبعد أن أكل صلى الله عليه وسلم قال: (نعم الأدم الخل) ولما قبل صلى الله عليه وسلم هدية المقوقس ملك الاسكندرية التي منها السيدة مارية القبطية فصنعت لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم أقراص خبز مدهون وجهها يلمع. فقال صلى الله عليه وسلم ما هذا؟ قالت طعام الملوك عندنا يا رسول اللّه. فقال صلى الله عليه وسلم ردي عليه ما أخرجته واصنعيه كخبزن.
أراد أن لا يجعل لنفسه ميزة عن فقراء الناس ورد صلى الله عليه وسلم الطبيب إلى الإسكندرية وقال للمقوقس نعم إنه نبي زين جمع الحكمة في كلمتين وذلك أن صلى الله عليه وسلم قال للطبيب ما صنعت قال الطبيب: (نحن قوم لا نأكل إلا إذا جعنا وإذا أكلنا لا نشبع) وقال صلى الله عليه وسلم: (بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه) وكان للرشيد طبيب حاذق نصراني، فقال لسيدنا الحسين ابن سيدنا على زين العابدين عن سيدنا الحسين رضي اللّه تعالى عنهم: كتابكم ليس في علم الطب، والعلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان فقال له رضي الله عنه إن كتابنا جمع الطب في نصف آية، فقال: وماهي؟ قال: قال اللّه تعالى {كلوا واشربوا ولا تسرفوا} وقال: هل قال نبيكم في هذا شيئاً؟ قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم (نحن قوم لا نأكل إلا إذا جعنا وإذا أكلنا لا نشبع) فقال الطبيب: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجليانوس طبا، ثم أنه صلى الله عليه وسلم كان ينام على الحصير وكان يؤثر في جنبه وكان ينام على لطع من ليف ووسادة من أدم حشوها ليف، يروي الترمذي عن السيدة حفصة تقول: نام عندنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فمهدت له خميلة من صوف فلما أصبح قال: (لا تعمليه ثانية ألهتني عن ربي) فالصوفي هو المقتفى آثار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مشغول باللّه تعالى وأما أحوال الدنيا عنده وفي نظره لا قيمة لها ويكتفي في كل شيء بأقل شيء ويؤدي له الغرض المطلوب وزيادة، فيا أخي...
الضروريات في هذه الحياة الدنيا سهلة وميسورة، إنما التعب كل التعب في التكلف في الكماليات، والكماليات لا نهاية لها، فكان الإنسان يتعب نفسه طول حياته، فالصوفي آمن في سربه، مطمئن في نفسه، قرير العين راضٍ عن ربه، وربه راضٍ عنه، فهنيئاً له ثم هنيئاً وهو مؤمن بقوله تعالى: (أليس اللّه بكافٍ عبده) قال شقيق البلخي لمعروف الكرخي: كيف حالكم يا كرخي؟ قال: إن وجدنا أكلنا، وإن لم نجد صبرنا، قال: هذا حال كلاب بني بلخ فقال: معروف الكرخي لشقيق البلخي: وكيف أحوالكم يا بلخي؟ قال: إن وجدنا آثرنا وإن لم نجد شكرنا، فهكذا حال الصوفي كما كان صلى الله عليه وسلم ومن كان معه... من هؤلاء مصدر الصوفية وكما قال أبو هريرة رضي الله عنه حين سئل: ألم تتخذ لك منزلا في الدنيا؟ قال: وهل أنا مجنون؟ قيل له وكيف ذلك قال: أرأيت لو نزل رجل ببلد لقضاء حاجة ويرتحل عنها هل يبنى له بيتاً للإقامة؟ قال: لا، قال: ونحن مرتحلون من هذه الدنيا فكيف نوطد وندعم فيها ونحن مفارقوها وهكذا كان أشباهه الكثير من خيرة الصحابة كسيدنا حذيفة وابن مسعود وغيرهم من أجلاء الصحابة، قال في مجمع الزوائد عن علقمة قال دخلت على عليّ رضي الله عنه فإذا بين يديه طعام خشن فقلت يا أمير المؤمنين أتأكل مثل هذا فقال كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يأكل أيبس من هذا ويلبس أخشن من هذا، فإن لم آخذ نفسي بما أخذ به نفسه خفت أن لا ألحقه فحال الصوفي كحال المستعد للسفر فليس له اطمئنان في الدنيا إلا برضوان اللّه تعالى عنه فيه.