سيدى ومولاي عبد القادر الجيلاني، صاحب الطريقة القادرية (الجيلانية):
التصوف بكل لغات العالم :
إلى جانب الطريقة الرفاعية العراقية الأصل، ظهرت الطريقة القادرية العراقية الأصل أيضًا، مواكبة ومعاصرة لها في قرن واحد من الزمان، وانتقلت من فرات ودجلة العراق إلى أرض مصر، في القرن السابع الهجري، قرن الطرق الصوفية بحق.
وفي البداية نتعرف على الجيلاني.
يقول عنه صاحب (قلائد الجواهر)، هو: محيي الدين أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح جنكي دوست موسى بن أبي عبد اللَّه يحيى الزاهد بن محمد بن داود بن موسى بن عبد اللَّه بن موسى الجون بن عبد المحصن بن الحسن المثنى بن محمد الحسن بن علي بن أبي طالب ت([1]).
ويتابع الشيخ التادفي في كلامه، فيقول: «قال سيدنا الشيخ عبد الوهاب بن الشيخ عبد القادر الجيلاني: كان والدي يتكلم في الأسبوع ثلاث مرات بالمدرسة، بكرة الجمعة وعشية الثلاثاء وبالرباط بكرة الأحد، وكان يحضره العلماء والفقهاء والمشايخ وغيرهم، ومدة كلامه على الناس أربعون سنة، أولها سنة 521هـ، وآخرها سنة 561هـ، ومدة تصدره للتدريس والفتوى ثلاث وثلاثون سنة، أولها سنة ثمان وعشرين، وآخرها سنة إحدى وستين([2]).
لقد كان الشيخ عبد القادر الجيلاني رسالة كبيرة ودعوة سامية، فقد «رأى الجيلاني ما أصيب به المسلمون من تشتت وافتراق وتناحر، وما استولى عليهم من حب الدنيا والتقاتل على الملك والجاه والسلطان وانصراف الناس إلى المادة والمناصب والولايات، والتفافهم حول الملوك والأمراء وتقديسهم لهم، عاش الشيخ متصلًا قبل ذلك بشعوره وآلامه، بعيدًا عن كل ذلك بقالبه وجسمه، وانصرف بكل همته وقوته وإخلاصه إلى الوعظ والإرشاد والدعوة والتربية، وإصلاح نفوس المسلمين، وتزكيتها ومحاربة النفاق والشغف بالدنيا، والتكالب على حطامها ومناصبها «إثارة الشعور الإيماني وتقوية عقيدة الآخرة، والتجافي عن دار الغرور»([3]).
ولقد اهتم الجيلاني بالإصلاح وتوجيه العباد «وكان أبو سعيد قد بنى مدرسة لطيفة (بباب الأزج) ففوضت إليه، وضاقت مدرسته بالناس، ومن ازدحامهم على مجلسه، فجلس للناس عند السور أيامًا، ثمَّ وسعت بما أضيف إليها من المنازل والأمكنة التي حولها، وبذل الأغنياء في عمارتها أموالهم، وعمل الفقراء بها بأنفسهم، واكتملت المدرسة سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، وصارت منسوبة إليه([4]).
وكان سيدي عبد القادر الجيلاني جريئًا في الحق «لمَّا ولى المقتفى لأمر اللَّه أمير المؤمنين للقاضي ابن المزاحم الظالم، قال على المنبر: ولَّيت على المسلمين أظلم الظالمين، ما جوابك عند رب العالمين أرحم الراحمين؛ فارتعد الخليفة وبكى وعزل القاضي المذكور لوقته»([5]).
وممَّا يدل على شجاعته وجرأته في الحق قوله في كتابه (الفتح الرباني):
«إنِّي أقول لكم الحق، ولا أخاف منكم ولا أرجوكم، أنتم وأهل الأرض عندي كالبق والذر؛ لأني أرى الضرر والنفع من اللَّه ﻷ لا منكم، المماليك والملوك عندي سواء»([6]).
وقال مخاطبًا تلك الفئة من العلماء الذين يداهنون السلاطين وينافقونهم «أين أنتم، وهم؟» يقصد بهم العلماء الذين لا يخشون غير اللَّه تعالى، «يا خونة في العلم والعمل، يا أعداء اللَّه ورسوله، يا قاطعي عباد اللَّه ﻷ؟ أنتم في ظلم ظاهر، ونفاق إلى متى؟ يا علماء، يا زهاد، كم تنافقون الملوك والسلاطين، حتى تأخذوا منهم حطام الدنيا وشهواتها ولذاتها! أنتم وأكثر الملوك في هذا الزمن ظلمة وخونة في مال اللَّه ﻷ في عباده، اللَّهم اكسر شوكة المنافقين، وخذ بهم أو تب عليهم، واقمع الظلمة وطهر الأرض منهم أو أصلحهم([7]).
وكان يدعو مريديه إلى العمل، ويؤكد أنَّ الطريق ليس كلامًا أو مهادنة للحياة، فاللَّه يحب عباده العاملين «اعبدوا اللَّه ﻷ، واستعينوا على عبادته بكسب الحلال، إنَّ اللَّه ﻷ يحب عبدًا مؤمنًا مطيعًا آكلًا من حلاله، ويحب من يأكل ويعمل، ويبغض من يأكل ولا يعمل، يحب من يأكل بكسبه، ويبغض من يأكل بنفاقه وتوكله على الخلق([8]).