سيدى عبد القادر الجيلاني واتباعه السنة والشرع



التصوف بكل لغات العالم : 

وكان يدعو أتباع طريقته القادرية إلى اتباع السنة والشرع، يقول لهم في قوة: «اتباع الشرع موجب لسعادة الدارين، فاحذر الخروج من دائرته، وإيَّاك أن تفارق الإجماع الشرعي والإجماع على أهل اللَّه... وأقرب الطرق إلى اللَّه تعالى لزوم قانون العبودية، والاستمساك بأصول الشريعة وفروعها، والاستقامة على الجادة([9]).

وكان ت يقول: تراءى لي نور عظيم ملأ الأفق، ثمَّ تدلى منه صورة تناديني يا عبد القادر، أنا ربك، وقد حللت لك المحرمات؛ فقلت: اخسأ

يا لعين، فإذا ذلك النور ظلام، وتلك الصورة دخان، ثمَّ خاطبني يا عبد القادر، نجوت مني بعلمك بأمر ربك، وفقهك في أحوال منازلاتك، ولقد أضللت بمثل هذه الواقعة سبعين من أهل الطريق، فقلت: للَّه الفضل، فقيل له: كيف علمت أنَّه شيطان، قال: لقوله قد حللت لك المحرمات»([10]).

لقد كان الجيلاني بحق «متسننًا عابدًا واعظًا قامعًا لنفسه، ناصحًا لغيره، صادقًا في حاله، مبغضًا للبدعة وأصحابها([11])، وهذا مما يجعلنا ندافع عن الإمام عبد القادر الجيلاني، فيما نسب إليه من تهم يدحضها سلوكه وأقواله وأفعاله.

يقول صاحب (ترياق المحبين): «أخبرني الشيخ الزاهد العارف محمد بن عدنان المشهدي، عن الشيخ يوسف أبي زكريا العسقلاني الحنبلي، أنَّه سأل عن الشيخ محمد بن علي بن إدريس اليعقوبي، أحد أركان طريق القوم، عن الذي يسمع في هذه الأزمنة، وينقل عن لسان الشيخ عبد القادر الجيلاني قدَّس اللَّه سره، من الشطوحات والكلمات المشوبة بالعجب، والدعوى والتجاوز، وغير ذلك من الألفاظ التي يردها الشرع، مثل قولهم: إنَّه يقول: قال لي ربي، يا غوث الأعظم، أكل الفقير أكلي، وقوله للخضر: إن كنت قلت لموسى إنَّك لن تستطيع معي صبرًا، فأنت لا تستطيع معي صبرًا، وقوله: أنا أحفظ مريدي في غيبته وحضوره، ومريدي لا يدخل النار ولو كان على سبيل مكروه، إن كان مريدي رديًّا فأنا جيد، وقوله: قدمي على رقبة كل ولي، وقوله للميت: قم بإذني وأمثال ذلك، وأمثاله منه، وهل هذا صحيح وله وجه عند العارفين، فقام منزعجًا وجلس ثمَّ قال: جلست مع الشيخ عبد القادر، وأكلت معه ونمت معه وسافرت معه وحضرت معه، فواللَّه، ما رأيته تحرك بحركة ولا سمعته تكلم بكلمة تخالف الشرع الشريف أبدًا، الشيخ عبد القادر رجل عارف، عابد زاهد، خائف خاشع، ذو مجاهدة وأوراد وأذكار، كثير البكاء، مخلص واعظ، عالم عامل ورع، عامل بعلمه، له وجود حال وذوق وكشوفات وكرامات، وأحوال صالحة وحرمة في قلوب أهل الدين»([12]).

ونحن نقول ما قلناه سابقًا، إنَّ سلوك الشيخ عبد القادر الجيلاني وقوله، يدلان على أنَّ صاحب الطريقة القادرية كان العابد الزاهد العامل بكتاب اللَّه وسنة رسوله، إنَّ الرجل الذي دعا إلى اتباع الشرع وسنة الرسول الكريم في وصاياه المتعددة؛ يجعلنا نشك فيما نسب إليه من افتراءات وأقوال كاذبة، فلقد كان الشيخ عبد القادر الجيلاني جهوده الطيبة في إسلام كثير من يهود ونصارى العراق، وعلى يده الكريمة تاب الكثيرون من العاصين والفجرة بفضل نصحه وإرشاده ودعوته الصادقة