يقول سيدى عبد القادر الجيلاني : لا تهجر أحدا إلا لله وذلك إذا رأيته مرتكباً كبيرة أو مصراً على صغيرة



التصوف بكل لغات العالم : 
قال تعالى {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} ولا تهجر أحدا إلا لله وذلك إذا رأيته مرتكباً كبيرة أو مصراً على صغيرة قلت ومعنى رأيته مرتكباً كبيرة العلم بذلك ولو ببيّنه فلا يشترط في جواز الهجر رؤية الهاجر لذلك العاصي ببصره ولذلك قال سيدي على الخواص رضي الله عنه شرط جواز الهجر علم الهاجر بوقوع المهجور فيما هجر لأجله يقيناً لا ظناً وتخميناً فلا يجوز لك الهجر من غير تحقق وتثبت وهذا الباب هلك فيه خلق كثير، ولم يموتوا حتى ابتلاهم الله تعالى بما رموا به الناس والله أعلم. وكان رضي الله عنه يقول: إذا أحب الله عبداً لم يزد له مالاً ولا ولداً، وذلك ليزول اشتراكه في المحبة لربه تعالى. والحق غيور لا يقبل الشركة. قلت فإن بلغ الولى إلى مقام لا يشغله عن الله شاغل، فلا بأس بالمال والأولاد، وكان رضي الله عنه يقول لا تطمع أن تدخل زمرة الروحانيين حتى تعادى جملتك وتباين جميع الجوارح والأعضاء، وتنفرد عن وجودك وسمعك وبصرك وبطشك وسعيك وعملك وعقلك وجميع ما كان منك قبل وجود الروح. وما أوجد فيك بعد النفخ، لأن جميع ذلك حجابك عن ربك عز وجل كما قال الخليل للأصنام في قوله تعالى {فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} فاجعل انت جملتك وأجزاءك أصناماً مع سائر الخلق ولا ترى لغير ربك وجودا مع لزوم الحدود وحفظ الأوامر والنواهي. فإن انخرم فيك شيء من الحدود. فاعلم أنك مفتون. قد لعب بك الشيطان. فارجع إلى حكم الشرع، والزمه ودع عنك الهوى لأن كله سموم. حقيقة لا تشهد لها الشريعة، فهي باطلة، وكان رضي الله عنه يقول كثيراً ما يلاطف الله تعالى عبده المؤمن، فيفتح قبالة قلبه باب الرحمة. والمنة والإنعام.
فيرى بقلبه مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، من مطالعة الغيوب، والتعريف والكلام اللطيف، والوعد الجميل، والدلائل والإجابة في الدعاء، والتصديق، والوعد والوفاء، والكلمات من الحكمة ترمى إلى قلبه وغير ذلك من النعم الفائقة، كحفظ الحدود والمداومة على الطاعات، فإذا اطمأن، العبد إلى ذلك واغتر به واعتقد دوامه، فتح الله عليه أنواع البلايا والمحن، في النفس والمال والولد، وزال عنه جميع ما كان فيه من النعم فيصير العبد متحيراً منكسراً، إن نظر إلى ظاهره رأى ما يسره، وإن نظر إلى باطنه رأى ما يحزنه. وإن سأل الله تعالى كشف ما به من الضر، لم يرج إجابة، وإن طلب الرجوع إلى الخالق لم يجد إلى ذلك سبيلاً، وإن عمل بالرخص تسارعت إليه العقوبات وتسلط الخلائق، على جسمه وعرضه وإن طلب الإقاله لم يقل، وإن رام الرضا والطيبة والتنعم بما به من البلاء لم يعط فحينئذ تأخذ النفس في الذوبان والهوى في الزوال والإرادات والأماني في الرحيل، والأكوان في التلاشي فيدام له ذلك ويشدد عليه حتى تفنى أوصاف بشريته ويبقى روحاً فقط فهناك يسمع النداء من قلبه (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) وردت عليه جميع الخلع وأزيد منها، وتولى الحق سبحانه وتعالى تربيته بنفس {فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين}. وكان رضي الله عنه يقول ما سأل أحد الناس من دون الله تعالى إلا لجهله بالله. وضعف إيمانه ومعرفته ويقينه وقلة صبره، وما تعفف من تعفف عن ذلك إلا لوفور علمه بالله عز وجل، ووفور إيمانه، وحيائه منه سبحانه وتعالى وكان رضي الله عنه يقول إنما كان الحق تعالى لا يجيب عبده في كل ما سأله فيه إلا شفقة على العبد، أن يلغب عليه الرجاء والغرة فيتعرض للمكر به، ويفغل عن القيام بأدب الخدمة، فيهلك. والمطلوب من العبد ألا يركن لغير ربه والسلام.