الرحلة إلى اللَّه فى طريقة سيدى عبد القادر الجيلاني
التصوف بكل لغات العالم :
المرحلة الثانية
وهي التي تكون فيها الرحلة إلى اللَّه ﻷ، حيث يصاحب الشيخ المريد، مجتازًا جميع المسالك.
وهذه المرحلة تختلف تمام الاختلاف عن المرحلة الأولى بطبيعتها، فإذا كانت الأولى تبدأ وتنتهي بجلسة واحدة، فالثانية قد يمتد بها الزمن سنين طوالًا؛ لأنَّها مرحلة دراسية يتلقى فيها المريد علم الحقيقة عن شيخه، ويتأدب به؛ ممتثلًا لأوامره ومنتهيًا لنواهيه، آخذًا نفسه بالمجاهدة وأشد الرياضات، تحت إشراف الشيخ، وهكذا يفتح اللَّه ﻷ عليه فتوح الأنبياء والأولياء.
ويرى الشيخ الجيلاني في هذه المرحلة، أنَّه: (على المريد، عدم الانقطاع عن شيخه الموجه له)، إنَّما يلزمه بدوام الاتصال؛ حتى يستغني عنه بالوصول إلى ربه
ﻷ، فيتولاه بعد ذلك اللَّه تبارك وتعالى بتربيته وتهذيبه، فيستغني بربه عن غيره).
وعند تحقق الانفصال بين الشيخ والمريد يمنح المريد إجازة المشيخة، وتكون خطية، تشهد له ببلوغ مراده، فيكون شيخًا في عداد الشيوخ، ومن شروط الإجازة أن تكون موقعه من قبل المجيز، مبينًا فيها تلقيه كلمة التوحيد للمريد، كما تلقاها هو، بالتلقين بالسند عن شيخه، وشيخه عن شيخه مستمرًا بذكر سلسلة الشيوخ، حتَّى يصل إلى الشيخ منشئ الطريقة، ومنه حتى يصل إلى الحسن البصري، عن الإمام علي بن أبي طالب ت، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام، عن اللَّه سبحانه وتعالى.
ويختم الشيخ الإجازة بدعاء، هو: (اللهم، بجاه هذه الشجرة المباركة، متمعنًا بالنظر إلى وجهك الكريم في الآخرة، بعد حسن الختام في هذه الدار بسلام).
ومن الملاحظ، أنَّ الانقطاع بين الشيخ وبين المريد أمر لابد منه، فقد أكد عليه السيد الشيخ الجيلاني، وهو عنده إمَّا انقطاعًا نهائيًّا، وإمَّا انقطاعًا يتخلله اتصال عن طريق الصدفة، كالملاقاة في الطريق أو في جامع قدرًا، ومن غير قصد، وذلك حفظًا للحال، واستغناء بالرب يقول الجيلاني: (فإذا بلغ المريد حالة شيخه أفرد عن الشيخ، وقطع عنه فيتولاه الحق ﻷ).
ومن هنا، فالملاحظ أنَّ الصفة الغالبة على الطريقة القادرية، هي المرونة، فالجيلاني يرى باختلاف الطريق بين الشيخ وبين المريد، الذي وصل إلى مرتبة الشيخ بعد افتراقهما، وليس في رأيه الإصرار على أن يبقى المريد تابعًا طريقة شيخه؛ بل نجد عنده التأكيد على استقلال الذات، فشخصية المريد يجب أن تبرز، فتأخذ طابعًا خاصًّا بها، فدور الشيخ المربي قد انتهى عند حد بدأ معه المريد، فلابد له في هذه الحالة أن يظهر شخصيته ويثبت استقلاله.
خاتمة:
هذه هي الطريقة القادرية ومباناها، ولقد رأينا صاحبها سيدي عبد القادر
الجيلاني، من خلال هذه النظرة السريعة؛ رجل أسلم وجهه للَّه، وربَّى رجالًا دعاهم إلى طريق اللَّه والسير على هدي القرآن والسنة.
لكن، كعادة الأستاذ الفاضل الدكتور الشيبي، في رد كل فكر إسلامي إلى الشيعة؛ فإنَّه يرى أنَّ هناك تشيعًا في طريقة الجيلاني، فيقول: (فقد جعل عبد القادر الجيلي الجيلاني، المشيخة وراثية كالإمامة، فورث شأنه وطريقته أبناءه: عبد الوهاب، وعبد العزيز، وعبد الجبار([17])، لكنَّا نرى أنَّ رأي الأستاذ الدكتور الشيمي فيه مغالاة شديدة، فظاهر أقوال الجيلاني وأفعاله، تجعلنا نحكم عليه بأنَّه كان صوفيًّا سنيًّا، متشرعًا متحققًا، منهجه الصوفي هو المنهاج الخلقي العملي المترسم كتاب اللَّه وسنة رسوله الكريم.
المرجع : الطرق الصوفية في مصر ، نشأتها ونظمها ، أ/د عامر النجار ، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب ، (ص 106 - 116) .