الامام الشاذلي إنتاجه .. وتراثه
التصوف بكل لغات العالم :
من المعروف، أنَّ الإمام الشاذلي لم يترك كتبًا، ولمَّا سُئِل لِمَ لم تؤلف الكتب؟ قال: كتبي أصحابي.
والتراث الخالد الذي تركه معظم أصحاب الطرق الصوفية لتلاميذهم وأتباعهم تتمثل في أحزابهم وأورادهم ووصاياهم لهؤلاء الأصحاب والأتباع.
يقول الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود في مقدمته لكتاب شرح حزب البر للفاسي نقلًا عن صاحب المفاخر: (اعلم أنَّ أحزاب الشيخ ت جامعة بين إفادة العلم وآداب التوحيد وتعريف الطريقة وتلويح الحقيقة، وذكر جلال اللَّه تعالى وعظمته وكبريائه، وذكر حقارة النفس وخستها، والتنبيه على خدعها وغوايتها، والإشارة لوصف الدنيا والخلق، وطريق الفرار من ذلك ووجه حصوله، والتذكر بالذنوب ةالعيوب، والتنصل منها مع الدلالة على خاص التوحيد وخالصه، واتباع الشرع ومضليه، فهي تعليم في قالب التوجيه، وتوجيه في قالب التعليم).
حقيقة، إنَّ أحزاب الشاذلي تكشف عن طاقة روحانية هائلة، وقدرة خلاقة على التعبير عن الومضات الروحية والإشراقات والجوانب الانفعالية الإنسانية، وتكشف عن إبداع فني جميل، (ولا غرو فإنَّ التعبير الصوفي بجملته لا يخرج في الحقيقة وواقع الأمر عن طابع العمل الفني؛ إذ الأحوال الصوفية وما يعتري قلوب المتصوفين من تواجد وانجذاب أو ما يمثلونه في حياتهم أثناء اليقظة أو في المنام من مدركات وجدانية لا تختلف في شيء عن حقيقة الفن ومعناه؛ إذ هو -أعني
الفن- لم يخرج في كنهه وواقع وجوده وتحققه ككائن روحي عن كونه تعبيرًا صادقًا أو تصويرًا رائعًا لواقع الحياة على وجدان الفنان، والعمل الفني في ذاته ليس إلَّا فهم الفنان للكائنات والموجودات، لا بالعقل والفكر ولكن بالشعور والوجدان) ([111]).
وكنموذج من أحزاب الشاذلي سأقدم هذا النص الرائع: (وهو حزب البر)، وهو أجمل أحزاب الشاذلي ممَّا جعل المرحوم الدكتور زكي مبارك يقول عنه: (أنَّها خير ما أنتجت القرائح، ولا يغني ما فيها من قوة المعنى وطرافة الخيال... إنَّ فقرات الحزب تحتوي على دقائق الأسرار والإشارات التي لا يفهمها إلا كبار الحكماء) ([112]).
ولقد رتَّبه سيدي أبو العباس المرسي ت كورد بعد صلاة الصبح، كما رتب حزب البحر وردًا بعد صلاة العصر).
وأغلب هذا الحزب آيات من القرآن الكريم، وهذا تتويج وتجميل له، وفي الحديث الشريف: سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بلالًا يقرأ من هاهنا ومن هنا، فسأله عن ذلك فقال: أخلط لاطيب بالطيب، فقال: «أحسنت». أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح.
وحزب البر حقيقة من أجمل الأحزاب ويتميز بكلماته المشرقة الفياضة([113])، وقد أضفت هذا الحزب إلى ملحق النصوص بالكتاب كنصٍّ لتراث من أجمل التراث الصوفي، الذي تركه سيدي الإمام الشاذلي لأصحابه وأتباعه.