أسبقية نور النبى صلي الله عليه وسلم




التصوف بكل لغات العالم : 

يَا أَوَّلَ الْخَلْقِ فِى إِطْلَاقِهِ أَلِفًا       بِهِ التَّآلُفُ يَا قَابَ الهِدَايَاتِ (71/7)
بمناسبة المولد النبوى الشريف أعاده الله علينا وعلى العالم أجمع بالخير واليمن والبركات شرعنا فى إلقاء الضوء على حقيقة ثابتة فى كتاب الله ألا وهى أسبقية نوره على كل شىء خلقه الله عز وجل صلوات ربى وسلامه عليك ياسيدى يارسول الله فإن فى هذه الحقيقة سرٌ وقربٌ بين المولى تبارك وتعالى وحبيبه ومصطفاه وصفوة خلقه ورسله من عباده لا يعلمه إلا الله عز وجل ولم يطلع أحداً من خلقه عليه توسل به الأولياء وأوضح أسبقية نوره الأئمة والعلماء الذين بين اللهُ فى صدورهم قرآنه من الألف الى الياء ﴿بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾ العنكبوت 49، فالآيات فى كل قرآن ألفاظها واحدة ولكن الاختلاف فى المعانى فلا تجحد وتنكر المعانى التى يسوقها لنا أولئك العلماء المذكورين فى الآية الكريمة إلا قلوب الأغبياء الظالمين لأنفسهم حيث حرموا أنفسهم من الحقيقة وحرموها من المعانى العالية الشريفة التى لو عرفوها لاستقاموا كما أمرهم خالقهم واستنارت قلوبهم بنور الحق تبارك وتعالى ونَجَوْا من الشقاء فى الآخرة.
ولكن أصبحوا وكأن كل واحد منهم له قرآن خاص به ومنهج أيضاً خاص به لذلك اختلفوا وكفَّر بعضهم بعضاً فأصبحوا فرقاً وشيعاً، مع أن القرآن ورسولنا الكريم قد أمرنا بعدم التنازع وعدم الفرقة وقال عز وجل ﴿وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ الأنفال 46، وإذا كانت معادات الأولياء توجب الحرب من الله .
عن أبى هريرة  قال: قال رسول الله  (إن الله تعالى قال من عادى لى ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدى بشئ أحب إلى مما افترضته عليه ولا يزال عبدى يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها ولئن سألنى لأعطينه ولئن استعاذنى لأعيذنه) رواه البخارى فما بالنا بحال من ينقص من قدر رسول الله عند الناس قائلاً أنه بشر مثلنا ولا يكمل الآية؟ مدّعين أنه لا تعظيم إلا لله عز وجل وكأنهم لم يقرأوا ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ الحج 32، وإذا كنا مأمورين أن نعظم شعائر الله تبارك وتعالى ألا نعظم من هو جامع للشعائر كلها بل خلقه القرآن بل هو على خلق عظيم، أى يعلو الخلق العظيم،  ولايعلم قدره إلا الله  بل هو أول شىء خلقه الله بل توسل به سيدنا آدم إلى الله، وأن نوره أول شىء خلقه الله، ثم من نوره خلق سبحانه الأكوان وعن أسبقية نوره  يقول الإمام فخر الدين :
يَا أَوَّلَ الْخَلْقِ فِى إِطْلَاقِهِ أَلِفًا       بِهِ التَّآلُفُ يَا قَابَ الهِدَايَاتِ (71/7)
فهو  بالنسبة للخلق كالألف بالنسبة للحروف، فالألف أول الحروف وإذا نظرنا إليها جميعاً وجدناها عبارة عن ألف تشكلت حرفاً آخر وإذا نطقنا أى حرف وجدنا أنه لا يخلوا من الألف فمثلاً با، تا، ثا، صاد، حتى ميم ففى وسطها يا فيها الألف، وقال عنه المولى جل وعلا ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء 107، أى رحمة للإنس والجن والطير والشجر وكل شىء، فما من شىء عنده رحمة إلا من رحمته  التى هى رحمة مهداه من الله إلى الخلق، ويقول الحق تبارك وتعالى ﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ الأنفال 63، فلابد من الذكر بالاسم الله حتى يتألف بينهم وهذا معنى ﴿وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾، ثم إذا قرأنا ﴿اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّى يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِى اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ النور 35، فمن تكون هذه الشجرة المباركة الزيتونة التى يوقد منها هذا القلب الذى أصبح من كثرة الذكر كوكبا درياً؟ إنه رسول الله وآل بيته الأطهار لذلك فهمنا معنى "به التآلف" لأن نور الاسم الله عندما يتنور به قلب الذاكر يصبح الذاكرين متآلفين محبين محبوبين وهذا النور لم يوقد إلا من الشجرة المباركة التى هى الحبيب المصطفى  وكون وصفه بزيتونة لأن زيت الزيتون لا يحدث منه دخن وقوله "يا قاب الهدايات" فالآية الكريمة تقول ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ النجم 9، فلم يدنو أحداً للأخذ عن ربه كدنوّه  لذلك كانت هدايته أعلى الهدايات وإذا قلنا قاب الرجل أى قرب والقاب بمعنى القدر أيضاً ويشار بقاب قوسين إلى القرب فهو  القرب الإلهى إلى الهدايات هو الوسيلة الأقرب لحصول التقرب والقرب من الله  فهو الأول والأقرب وعنه يقول المولى  ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ الزخرف 81، فمن تفسير ابن عجيبه : إن كان للرحمن ولد فى زعمكم ﴿فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ أى: الموحِّدين لله، المكذِّبين قولكم، بإضافة الولد إليه؛ لأن مَن عَبَدَ الله، واعترف بأنه إلهه فقد دفع أن يكون له ولد.
وفى الإشارة يقول ابن عجيبه: قل يا محمد إن كان للرحمن ولد، على زعمكم فى عيسى والملائكة، فأنا أولى بهذه النسبة على تقدير صحتها؛ لأنى أنا أول مَن عبد الله فى سابق الوجود؛ لأن أول ما ظهر نورى، فعَبَد اللهَ سنين متطاولة؛ ثم تفرّعت منه الكائنات، ومَن سبق إلى الطاعة كان أولى بالتقريب، فلِمَ خصصتم الملائكة وعيسى بهذه النسبة، وأنا قد سبقتهم فى العبادة، بل لا وجود لهم إلا من نورى، لكن لا ولد له، فأنا عبد الله ورسوله. قال الإمام جعفر الصادق "أول ما خلق الله نور محمد قبل كل شىء، وأول مَن وحّد الله عزّ وجل من خلقه، دُرة محمد ، وأول ما جرى به القلم «لا إله إلا الله محمد رسول الله»" ا.هـ وعنه  عندما سؤل: متى نبئت يا رسول الله؟ أنه قال  (كنت نبياً وآدم منجدل فى طينته) رواه البيهقى فى مسنده وأبو نعيم فى دلائل النبوة وابن الجوزى فى الوفا ورواه الترمذى فى صحيحه وحسنه بلفظ (وآدم بين الروح والجسد) ومرة أخرى  ردا على سؤال سائل ( كنت نبياً وآدم بين الماء والطين)، وقال ابن الربيع الشيبانى: وأما الذى على الألسنة بلفظ (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين) فقال شيخنا يعنى محمد بن عبد الرحمن السخاوى، لم أقف عليه بهذا اللفظ فضلاً عن زيادة (كنت نبياً وآدم لا ماء ولا طين) ا.هـ والدليل المصحفى الآخر على أسبقية نوره فى سورة الإنسان الآيتان 1، 2 يقول ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا • إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا﴾، وقد قال بعض المفسرين أن الإنسان المقصود فى هذه السورة هو أبونا آدم ولكن السادة من أئمة الصوفية  قالوا: أن سيدنا آدم لم يكن مخلوقاً من نطفة أمشاج لذلك فإن المقصود فى هذه السورة هو الإنسان الكامل سيدنا محمد  ا.هـ واذا تدبرنا ما قاله المولى تبارك وتعالى ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ فالإنسان الذى أتى عليه حين من الزمان لم يكن شيئاً مذكوراً معه هو سيدنا محمد  سابق الزمان والمكان حبيب الرحمن إمام المرسلين وإمام المتقين ورحمة الله للعالمين حبيبنا وعظيمنا وشفيعنا اللهم بجاه محبتك له ومحبته لك وبالسر الذى بينك وبينه إغفر لنا وأصلح أحوالنا واجعل مولده بداية الخير كله ونهاية الشر كله لنا وللأمة الإسلامية والعالم أجمع آمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وإلى العدد القادم بإذن الله تعالى. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

تعليقات