النبي على خلق عظيم
التصوف بكل لغات العالم :
على خلق عظيم
فى هذه الأيام العطرة بأفراح سادتنا آل البيت الكرام وبالتدبر فى النعم الجليلة والعظيمة التى مَنّ الله بها علينا فنجد أن أعظم هذه النعم هى "سيدنا رسول الله ".
ما أعظمك يا سيدى يا حبيب الله، وقد منحك المولى القدير ما لم يمنح غيرك من النبيين والمرسلين والبشر أجمعين، قبلك كان أو بعدك، وهذه المنح كثيرة فى الدنيا والآخرة.
وتفصيلها كما قال ابن جزى: شرف النسب, رجاحة العقل, كثرة العلم والعبادة, شدة الحياء, السخاء, الصدق, الشجاعة, الصبر, الشكر, المروءة, التوءدة, الزهد, التواضع, الشفقة, العدل, العفو, كظم الغيظ, صلة الرحم, حسن المعاشرة, حسن التدبير, فصاحة اللسان, قوة الحواس, حسن الصورة، أى أنه جمع كل فضيلة وحاز على كل خصلة جميلة وشمائله الطيبة كثيرة حسبما ورد فى أخباره وسيرته ، وتحتاج كل خصلة من شمائل حسنه الظاهرة إلى موضوع خاص به ولكننا نود أن نوجز بعض ما قيل فى خلقه العظيم. فقد وصفه الحق سبحانه وتعالى بقوله ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم 68: 4، وروى البيهقى فى سننه الكبرى والبزار فى مسنده عنه أنه قال (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ولما سئلت السيدة عائشة عن خلقه قالت "ما كان أحد أحسن خُلُقاً من رسول الله ، ما دعاه أحد من أصحابه ولا أهل بيته إلا قال لبيك" وقالت "كان خلقه القرآن" ونجد أن كل ما اتصف به إنما هو جود إلهى محض، أى أنه ليس بالاكتساب ولكن فى أصل خلقتة وفطرتة ، وقال الإمام الجيند: سُمِّىَ خُلقه عظيماً لأنه لم تكن له همة سوى الله عز وجل، وَسُمِّىَ أيضاً خُلقاً حسناً واتصافه به على أكمل الوجوه. ومدحه بقوله فى مسند الإمام أحمد (مَنْ أُعْطِىَ حَظَّهُ مِنْ الرِّفْقِ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ الْخَيْرِ وَلَيْسَ شَىْءٌ أَثْقَلَ فِى الْمِيزَانِ مِنْ الْخُلُقِ الْحَسَنِ) ويقول سيدى ابن عجيبة الحسنى: إن حسن الخلق دليل على ثبوت الخصوصية، وعدمه دليل على عدم وجودها، وقال سيدى عبدالرحمن العارف: كان على خلق عظيم لشرح صدره بالنور كما قال تعالى ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ الشرح 94: 1، ولحديث شرح صدره بالنور وشقه وتطهيره ونزعالشيطان منه ثم إفراغ الحكمة والنور فيه حتى مُلىء، فكان شيئاً محضاً لله تعالى, لا تعلق له بغيره, فناسب القرآن وصار خُلقاً له، وسرى فيه أمر الوحى وجرى على مقتضاه فى جميع أحواله.
وقال وهب بن منبه "قرأت فى إحدى وسبعين كتاباً فوجدت فى جميعها أن الله لم يعط جميع الناس من بدء الدنيا الى انقضائها من العقل فى جنب عقله إلا كحبة رمل من جميع رمال الدنيا وإن محمد أرجح الناس عقلاً وأفضلهم رأياً" رواه ابن عساكر، فلم يبلغ بشر غير حضرة النبى ما بلغه حضرته من علمه بالكتب السماويه وسير الأمم.
ومما قاله سيدنا على "إنا كنا إذا اشتد البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله" وقال سيدنا أنس "كان رسول الله أحسن الناس خلقاً" وقال أيضاً "خدمت رسول الله عشر سنين فما قال لى أف ولا قال لشىء صنعتة: لم صنعته؟ ولا لشىء تركتة: لم تركتة؟".
ما أعظمك يا سيدى يا رسول الله، وقد روى الإمام مسلم عن واثلة بن الأسقع قال سمعت رسول الله يقول (إِنَّ اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنى هَاشمٍ وَاصْطَفَانِى مِنْ بَنِى هَاشِمٍ) وروى الإمام أحمد فى مسنده عنه أنه صعد المنبر فقال (مَنْ أَنَا؟ قَالُوا: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، فَقَالَ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِى فِى خَيْرِ خَلْقِهِ وَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِى فِى خَيْرِ فِرْقَةٍ، وَخَلَقَ الْقَبَائِلَ فَجَعَلَنِى فِى خَيْرِ قَبِيلَةٍ، وَجَعَلَهُمْ بُيُوتًا فَجَعَلَنِى فِى خَيْرِهِمْ بَيْتًا، فَأَنَا خَيْرُكُمْ بَيْتًا وَخَيْرُكُمْ نَفْسًا).
وعن السيدة عائشة قالت قال (قال جبريل: قلبت مشارق الأرض ومغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمد ولم أر بيتاً أفضل من بيت بنى هاشم) ولذا فإن الرعاية والعناية به من قبل القبل، والاصطفاء والمنح والمنن الخاصة تجاه الحبيب المصطفى جليله وكثيرة من ربه إليه، ليمتاز على جميع الأنبياء والرسل والبشر أجمعين، ويكون خير الخلق أجمعين، وقال سيدى شرف الدين البوصيرى :
فَمَبْلَغُ الْعِلمِ فِيهِ أَنَّهُ بَشَــرٌ وَأَنَّهُ خَيْـــرُ خَلْقِ اللهِ كُلِّهِمِ
وَكُلُّ آىٍ أَتَىَ الرُّسْلُ الْكِـرَامُ بِـهَا فَإِنَّمَا اتَّصَلَتْ مِنْ نُــورِهِ بِهِمِ
أَكْرِمْ بِخَلْقِ نَبِىٍّ زَانَهُ خُلُـقٌ بِالْحُسْنِ مُشْتَمِلٍ بِالْبِشْـرِ مُتَّسِمِ
كَالزَّهْرِ فىِ تَرَفٍ وَالْبَدْرِ فىِ شَـرَفٍ وَالْبَحْرِ فىِ كَرَمٍ وَالدَّهْرِ فىِ هِمَمِ
ويقول سيدنا حسان بن ثابت :
خُلِقْتَ مُبَرَّءاً مِنْ كُـلِّ عَيْبٍ كَأَنَّكَ قَدْ خُلِقْتَ كَمَا تَشَــاءُ
وكما منح المصطفى من رب العزة, يمنح المصطفى الكريم منحه وهباته الجليلة لآل البيت الكرام والأولياء الصالحين.
فيقول الإمام الجليل سيدى فخر الدين :
يَا مَوْئِلَ الْحَقِّ وَالتَّحْقِيقِ يَا سَنَدٌ يَا مَنْ لَهُ مَبْدَأٌ فَـوْقَ النِّهَايَاتِ
وقال أيضاً "مَنَحَ الْمُصْطَفَى وَتَمَّ الْعَطَاءُ" وعن عطاياه وهباته ومنحه يطول فيها الكلام ويكثر، وسيأتى الحديث عنها لاحقاً بإذن الله تعالى، وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
سامح جابر طه
ومن أراد الاستزادة فليطلع على موقع النبى
تعليقات
إرسال تعليق