عمر بن الخطاب رضى الله عنه




التصوف بكل لغات العالم : 
من مواقف الصحابة
عمر بن الخطاب 

 كان الفرح يغمر الابطال الذين عادوا منتصرين بعد أن طال الغياب عن الاهل والاحباب.. كانوا أسودا كاسرة في ساحة الجهاد.. ففتحوا البلاد ورفعوا راية الإسلام على بقاع جديدة من أرض الله، عادوا فرحين بنصر الله ولبسوا أجمل الثياب. أسرعوا الى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فقد اعتادوا ان يستقبلهم بعد عودتهم، يفرح بلقائهم ويبالغ في إكرامهم، ولكنهم فوجئوا هذه المرة أنه لم يهتم بهم، بل أدار وجهه عنهم، فبعد ان رد السلام أمسك عن الكلام، فظهرت الدهشة على وجوههم.
أرادوا أن يعرفوا السبب كي يبطل العجب.. فأسرعوا الي عبدالله بن عمر وقالوا له: لقد أدار امير المؤمنين وجهه عنا ولم يهتم بأحد منا فما سبب هذا الجفاء بعد ما قدمناه من تضحية وفداء!؟
كان لابد لعبد الله بن عمر الذى نشأ فى بيت عمر أن يقرأ أفكار أبيه فهو يعلم جيدا أنه ماض فى درب الحبيب المصطفى ، ولم يتزحزح عنه قيد أنمله..
نظر عبدالله إلى ثيابهم الفاخرة التي عادوا بها من بلاد فارس وقال لهم: إن أمير المؤمنين رأى عليكم لباسا لم يلبسه رسول الله ولا الخليفة أبو بكر الصديق من بعده.
عرف الابطال المجاهدون السبب فلم يجادلوا، ولكنهم تحلوا بالأدب النبوى الشريف فأسرعوا الى ديارهم وبدلوا ثيابهم ثم عادوا الى أمير المؤمنين بثيابهم التى اعتاد ان يراهم بها، فلما رآهم فرح بقدومهم واحسن استقبالهم ونهض يسلم عليهم ويعانقهم رجلا.. رجلا.. وكأنه لم يرهم من قبل، فهو يرى أن إيمانهم وجهادهم هو أبهى الحلل واجمل الزينات.
قدموا لأمير المؤمنين الغنائم التى عادوا بها من أرض الجهاد فقسمها بينهم.. كان فى تلك الغنائم سلال من خبيص، والخبيص هو طعام حلو مصنوع من التمر والسمن، مد أمير المؤمنين يده وذاق ذلك الطعام فوجده لذيذ الطعم طيب الرائحة فقال لمن حوله واصفا لذة طعمه: والله يا معشر المهاجرين والانصار سوف يقتل الابن اباه والأخ أخاه على هذا الطعام, أمرهم ان يحملوه الى أبناء الشهداء من المجاهدين والانصار الذين نالوا الشهادة اثناء جهادهم مع رسول .
نهض أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أمير أعظم دولة في ذاك الزمان وسار مجللا بالهيبة والوقار بوجه يعلوه الايمان، وجسم فارع الطول عليه جبة قديمة بها 12 رقعة!! سار خلفه عدد من الصحابة، أخذوا ينظرون الى جبته القديمة، قال بعضهم لبعض: ما رايكم في زهد هذا الرجل؟! لقد فتح الله على يديه بلاد كسرى وقيصر.. وطرفى المشرق والمغرب، وتاتى اليه وفود العرب والعجم من كل مكان فيستقبلهم وعليه هذه الجبة القديمة ذات الرقع الكثيرة.
اقترح بعضهم أن يتقدم اليه بعض كبار الصحابه الذين جاهدوا مع رسول الله.. ويحاولوا اقناعه بان يستبدل هذه الجبه القديمة بثوب جميل وأن يقدم له جفنة الطعام في الصبح والمساء.. قال البعض الاخر: لايجرؤ أحد على ان يتحدث اليه في هذا الامر إلا على بن ابى طالب او ابنته حفصة فهى ذات مكانه عالية فى نفسه لأنها زوجة الرسول  إحدى أمهات المؤمنين.
ذهبوا إلى على بن أبى طالب  وعرضوا الامر عليه .. فقال: لن افعل هذا، ولكن عليكم بأزواج النبى  فإنهن أمهات المؤمنين ويستطعن عرض الامر عليه فلما سمعوا راى الامام على بحثوا في الامر واستقر الرأى على أن تقوم كل من ام المؤمنين عائشة وحفصة  بتلك المهمة .. دخلت عائشة وحفصة على أمير المؤمنين عمر، فقربهما وأحسن استقبالهما فبدأت عائشة بالحديث قائلة: يا امير المؤمنين.. هل تأذن لى بالكلام؟؟
قال: تكلمى يا أم المؤمنين.. فقالت ما معناه: لقد مضى رسول الله الى سبيله الى جنته ورضوانه، لم يرد الدنيا ولم ترده، وكذلك مضى أبو بكر من بعده.. وقد فتح الله على يديك كنوز كسرى وقيصر وديارهما وحمل إليك اموالهما، وخضعت لك اطراف المشرق والمغرب، ونرجو من الله المزيد، وفى الاسلام التأييد، وقد أصبح العجم يبعثون إليك رسلهم ووفود العرب تأتى اليك من كل مكان وانت تستقبلهم بتلك الجبة القديمة التى رقعتها 12 رقعة، فلو غيرتها بثوب لين يهاب فيه منظرك وايضا يأتونك بجفنة طعام فى أول النهار وأخرى فى آخر النهار، تاكل منها انت ومن حضر معك من المهاجرين.
تأثر أمير المؤمنين تأثرا بالغا حتى بكى بكاءا شديدا.. سأل أم المؤمنين عائشة قائلا: هل تعلمين أن رسول الله  شبع من خبز قمح عشرة أيام أو خمسة أيام أو ثلاثة أيام أو جمع فى يوم بين عشاء وغداء حتى لحق بربه؟ قالت: لا.
استمر عمر  فى حديثه لهما قائلا: أنتما زوجتا رسول الله  ولكما حق على المؤمنين عامة وعلى خاصة، ولكنكما أتيتما ترغباننى فى الدنيا، وإنى أعلم أن رسول الله  لبس جبة من صوف وربما حك جلده من خشونته هل تعلمان ذلك.. قالتا: نعم.
ثم قال أمير المؤمنين لعائشة: ألا تعلمين أن رسول الله كان يرقد على عباءة تكون له بالنهار بساطا وبالليل فراشا، فندخل عليه ونرى أثر الحصير فى جنبه؟ ثم قال لحفصة :الا تذكرين يا حفصة حين قلتى لى انك ثنيت الفراش للنبى ذات ليلة فشعر بلينه فرقد ولم يستيقظ بالليل الا حينما سمع اذان بلال، فقال لك النبى: (ياحفصة. ماذا صنعتِ؟ أثنيت المهاد (أى الفراش) حتى ذهب بى النوم الى الصباح؟ مالى ومال الدنيا ومالى شغلتمونى بلين الفراش).
وفي النهاية قال لابنته: ياحفصة. إن رسول الله  كان مغفورٌ له ماتقدم من ذنبه وما تأخر، ومع ذلك فقد أمسى جائعا ورقد ساجدا ولم يزل راكعا وساجدا وباكيا ومتضرعا اناء الليل والنهار الى أن قبضه الله برحمته ورضوانه ثم قال : لا اكل عمر طيبا ولا لبس لينا، بل سيكون له فى صاحبيه أسوة وقدوة، وقطع عمر عهدا على نفسه.. الا يجمع بين طعامين فى وقت واحد سوى الملح والزيت.. ولا ياكل لحما الا مرة كل شهر، فخرجت عائشة وحفصة واخبرتا الصحابة بما حدث.. وظل عمر ماضيا فى طريقه الى ان لقى ربه شهيدا سعيدا. مأخوذة عن رواية عن الحسن البصرى عن بعض صحابة رسول الله .

تعليقات