وسطية أمته




التصوف بكل لغات العالم : 
وسطية أمته

وردت في حق سيدنا رسول الله  آيات فى كتاب الله تصفه بــ(الرسول)، نتناولها إن شاء الله بالبحث والسعى فى كشف نقابها واحدة بعد أخرى، لنخضب عقولنا وقلوبنا بمحبته وذكره  فــ
العلم غث أو سميــ            ـــن للقلوب يخضب
ونبدأ بأول آية وردت فى المصحف الشريف ناطقة بوصفه  بــ(الرسول)، وهى الآية 143 من سورة البقرة حيث يقول جل من قائل:
﴿وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّســـُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبــــِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هـــَدَى اللهُ وَما كانَ اللهُ لِيُضِيـــعَ إِيمانَـــكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّـــاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيـــمٌ﴾ وفيها الكلام عن: وسطية أمته بمحض العناية، وشهادة الرسول على أمته، وفتنة القبلة الأولى والحكمة العليا فيها، وعظم شأن اتباع الرسول  عند الله.
الأمة الوسط – محض عناية إلهية صرفة:
يقول الإمام فخر الدين البرهاني :
وما وسطية الشهداء إلا           بمحض عناية بلغت مداها
وهذا ما أفصح عنه التعبير القرآنى فى قوله سبحانه ﴿جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ فهذا الَجْعل من الله هو محض العناية الإلهية، وقد بلغت مداها، وهى نعمة أنعم الله بها على نبى هذه الأمة تستوجب الشكر منا ضرورة، ومنة امتن الله بها على هذه الأمة احتفاءً برسوله وحبيبه محمد  حيث نسبت الأمة إليه، وقد اهتم السادة من أهل التفسير بالكلام فى هذه الوسطية فقال الإمام القرطبى: ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ المعنى: كما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطا، أى جعلناكم دون الأنبياء وفوق الأمم. والوسط: العدل، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها. وروى الترمذى عن أبى سعيد الخدرى عن النبى  فى قوله تعالى ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً﴾ قال: (عدلاً)، قال: هذا حديث حسن صحيح. وفى التنزيل قالَ: أَوْسَطُهُمْ، أى أعدلهم وخيرهم.
ووسط الوادى: خير موضع فيه وأكثره كلأً وماء. وفي الحديث (خير الأمور أوسطها). وفيه عن على  (عليكم  بالنمط الأوسط، فإليه ينزل العالى، وإليه يرتفع النازل). وفلان من أوسط قومه، وإنه لواسطة قومه، ووسط قومه، أى من خيارهم وأهل الحسب منهم.
وقد فسر الإمام القشيرى وسطية الأمة - والحقيقة أننى أردت قبل ذكر كلامه  أن أمهد للمعنى الفائق الذى دلنا عليه، والشراب الرائق الذى سقانا منه، حيث جعل أمة الإسلام هي الأمة المنعوتة بالــ(وسط)، ثم أشار إلى طائفة منها فجعلهم (وسط الوسط) مشيراً إلي قوله  فى الحديث الشريف (لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم)، وهم الصالحون أو أهل الله فى هذه الأمة من أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون - فقال رحمه الله: الوسط الخيار، فجعل هذه الأمة خيار الأمم، وجعل هذه الطائفة (أى أهل الله) خيار هذه الأمة فهم خيار الخيار. فكما أن هذه الأمة شهداء على الأمم في القيامة فهذه الطائفة هم الأصول، وعليهم المدار، وهم القطب، وبهم يحفظ الله جميع الأمة، وكلُّ من قَبِلَتْهُ قلوبهم فهو المقبول، ومن رَدَّتْه قلوبهم فهو المردود. فالحكم الصادق لفراستهم، والصحيح حكمهم، والصائب نظرهم، عصم جميع الأمة عن الاجتماع على الخطأ، وعصم هذه الطائفة عن الخطأ في النظر والحكم، والقبول والرد، ثم إن بناءَ أمرهم مُسْتَنِدٌ إلى سُنَّة الرسول . وكل ما لا يكون فيه اقتداءٌ بالرسول  فهو عليه ردٌّ، وصاحبه على لا شىئ.
علة شهادتهم على الناس وشهادة الرسول عليهم عند "صاحب البحر المديد": يقول الحقّ جلّ جلاله: وكما جعلناكم مهتدين إلى الصراط المستقيم، وجعلنا قبلتكم أفضل الجهات، جعلناكم أمة أفضل الأمم، خياراً عدولاً مزكَّين بالعلم والعمل، لتصلحوا للشهادة على غيركم، فتكونوا يوم القيامة ﴿شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾، قلت: وهذا من عظيم فضل الله على هذه الأمة حيث اقتضى حبه لنبيه تفضيل أمته، واقتضى هذا التفضيل تأهيلهم للشهادة بالتزكية، ثم اقتضى هذا التأهيل والتزكية شهادة نبيهم لهم بالعدالة. ثم قال : ويزكيكم نبيكم فيشهد بعدالتكم.
قال البيضاوى: رُوِىَ (أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء، فيُطالبُهم الله ببينة التبليغ وهو أعلم بهم، إقامة للحجة على المنكرين، فيُؤتَى بأُمة مُحَمّدٍ  فيشهدُون -أى على تبليغ أنبيائهم- فتقُول الأمم: مِنْ أَيْنَ عرفتُمْ؟ فيقولُون: عَلِمْنَا ذلك بإخْبَار الله فى كِتَابِهِ النَّاطِقِ عَلَى لسانِ نبيه الصَّادِقِ. فيُؤتى بمحمَّدٍ  فَيُسألُ عن حَالِ أُمته فَيشْهَدُ بعَدَالتِهمْ).
وعن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله  يقول (أعطيت أمتى ثلاثاً لم تعط إلا الأنبياء كان الله إذا بعث نبياً قال له ادعنى أستجب لك، وقال لهذه الأمة ادعونى أستجب لكم، وكان الله إذا بعث النبى قال له ما جعل عليك فى الدين من حرج، وقال لهذه الأمة وما جعل عليكم فى الدين من حرج، وكان الله إذا بعث النبى جعله شهيداً على قومه، وجعل هذه الأمة شهداء على الناس). خرجه الترمذى الحكيم أبو عبد الله فى "نوادر الأصول".
وفى لقاء آخر نتكلم إن شاء الله عن حكمة تحويل القبلة وعظم شأن اتباع النبى  عند مولاه تبارك وتعالى.

تعليقات